الرئيسية

كلمة رئيس مجلس المستشارين في اليوم الدراسي حول التعليم و الثقافة و الشؤون الإجتماعية

هومبريس

باسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

– السيد رئيس لجنة التعليم و الشؤون الثقافية و الإجتماعية 

– السيد وزير الشباب و الثقافة و التواصل

– السيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي بإسم الحكومة

– السيد رئيس المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي

– السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان

– حضرات السيدات و السادة الأفاضل كل باسمه و صفته

في البداية أود أن أرحب بكم جميعا في مجلس المستشارين الذي يحتضن هذا اليوم الدراسي، المنظم من طرف إحدى لجانه الدائمة، لجنة التعليم والشؤون الثقافية و الإجتماعية، حول: “مشروع قانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة”، و الذي يأتي فـي سـياق وطني و دولي يتسم بعمق و تسارع التحولات التي يعرفها حقل الصحافة و الإعلام، و بتعدد التحديـات التي تواجهه على مختلف الأصعدة.

ويسعدني بهذه المناسبة أن أتناول الكلمة، في هذه الجلسة الإفتتاحية، لما يكتسيه هذا الموضوع من أهمية بالغة و لارتباطه بحمايـة أحد أهم الحقوق الإنسانية، ألا و هو الحـق فـي حريـة التعبيـر و الصحافـة، الذي يعتبر من الدعائم الأساسية لأي نظام ديمقراطي، لأنه من دون إعلام حر مسؤول و تعددي و نزيه، تفقد الديمقراطية أهم ركيزة من ركائزها الأساسية، و ينتفي حق المواطنين في الوصول إلى المعلومة الدقيقة و الموثوقة.

وبناء عليه، لا يجب النظر إلى حرية الصحافة كمجرد حق دستوري، بل هي شرط أساسي لبناء الثقة بين المواطن و الدولة، و بين الإعلام والرأي العام، إنها أيضاً وسيلة لترسيخ الشفافية، و محاربة الفساد، و دعم المشاركة المواطِنة، و تحصين المسار الديمقراطي الذي اختاره المغرب بإرادة راسخة و رعاية سامية من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده.

حضرات السيدات و السادة الأفاضل

لقد أكّد دستور المملكة في فصله الثامن و العشرين، على أن حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وأن للجميع الحق في التعبير و نشر الأخبار و الأفكار بكل حرية، في نطاق احترام القانون و أخلاقيات المهنة.

كما التزمت بلادنا، بموجب المواثيق الدولية بحماية حرية الرأي و التعبير و جعلتها في صلب التزاماته الحقوقية و التنموية.

إلا أنه من المسلم به أن هذه الحرية لا يمكن فصلها عن المسؤولية المهنية و الأخلاقية، فكلما توسعت مساحات الحرية تزايدت الحاجة إلى ضبطها بالضمير المهني و احترام الحقيقة و حقوق الأفراد و المؤسسات.

 ولهذه الغاية، فمنذ 2018 تم إحداث المجلس الوطني للصحافة كآلية مؤسساتية يفترض أن تجمع بين الحرية و التنظيم الذاتي من جهة، ووأن تضمن التوازن بين حق الصحفي في التعبير وحق المواطن في إعلام مهني نزيه من جهة ثانية. 

ومما لا شك فيه أن إحداث هذا المجلس شكل محطة مهمة في مسار إصلاح قطاع الصحافة و النشر في بلادنا، على اعتبار أنه هيئة مستقلة للتنظيم الذاتي للمهنة، و آلية من المفروض أن تعكس نضج هذا القطاع و قدرته على تأطير نفسه في إطار من المسؤولية و المحاسبة. 

حضرات السيدات و السادة الأفاضل

لقد أفرزت التجربة السابقة لهذه المؤسسة عدداً من الإشكالات و التحديات و الأعطاب التنظيمية والعملية، سواء على مستوى الحكامة أو فيما يخص آليات اتخاذ القرار، و تمثيلية مختلف الفاعلين، و حدود الصلاحيات المسندة إليه قانوناً، و غيرها من الإشكالات الأخرى. 

وفي هذا الإطار، برزت الحاجة القصوى إلى تحديث الإطار القانوني المنظم للمجلس ليضطلع بدوره كاملاً في النهوض بأخلاقيات المهنة وتطوير الصحافة الوطنية، و أن يكون فضاءً حقيقياً للتنظيم الذاتي النزيه و المستقل، و آلية مهنيـة للتفاعل المهني المسؤول في إطار الإلتـزام الصارم بأخلاقيـات الصحافـة، كما هو متعارف عليها عالميا، لتقويم الممارسة و ضمان التوازن بين الحرية و المسؤولية، و التصدي لكل أشكال الإنحراف الإعلامي أو التوجيه المصلحي، تحصيــناً لمهنة الصحافة مـن كل ما لا يتطابق مع شـروط ممارستها و أخلاقياتها، و بما سيضمـن الحمايـة الفعليـة للحـق في التعبير، و يعـزز ثقـة المجتمع فـي الصحافة.

وإذ ننوه بهذه المبادرة التي قامت بها لجنة التعليم و الشؤون الثقافية و الإجتماعية قصد الإنصات إلى مختلف الفاعلين في هذا القطاع و كذا المؤسسات الدستورية، فإننا نتمنى صادقين، من خلال هذه المقاربة التشاركية، أن ننجح في إنتاج نص تشريعي ذي جودة عالية، يتدارك النواقص المسجلة، و يكون قادراً على توفيـر جميع الضمانـات القانونيـة و المؤسسـاتية التي سترســخ الإستقلالية و التعدديــة و الشــفافية و حكامــة آليــات التنظيــم الذاتــي، و أن يضمــن أيضاً في المقابل حمايـة الحـق فـي حريـة التعبيـر و الصحافـة.

وإذ نحتكم بالمناسبة، إلى الأخذ بعين الإعتبار، ما جاء من ملاحظات و توصيات في الرأيين اللذين أبداهما المجلس الوطني لحقوق الإنسان و المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي، بناء على طلب الرأي الذي توصلت به هاتين المؤسستين من السيد رئيس مجلس النواب، بتاريخ 16 يوليوز 2025، باعتبارهما مؤسستين دستورتين مستقلتين، و نظراً لما يتضمنه هذين الرأيين من ملاحظات جوهرية و توصيات هامة يجب الإنتباه إليها.

وفي الأخير، لا بد من التذكير بأن تطوير الإطار القانوني المنظم للمجلس الوطني للصحافة لا يمكن أن نفصله عن مشروع أكبر و أوسع، ألا وهو الإصلاح الحقيقي و الشامل لقطاع الإعلام و الإتصال في بلادنا، لأن هذا المجلس كآلية لا يجب أن يكون غاية في حد ذاته، بل هو فقط لبنة من لبنات أخرى لإرساء دولة القانون و المؤسسات، و خصوصاً في ظل وجود إرادةٍ سياسية راسخة، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة نصره الله و أيده، تهدف إلى تعزيز الحق في التعبيـر وحرية الصحافة والتعدديـة الإعلامية و حق المواطنين في المعلومة، و توطيد أسس التنظيم الذاتي للمهنة، بما ينسجم مع روح دستور المملكة و مع المواثيق الدولية و الممارســات الفضلــى التــي تبلــورت فــي مختلــف التجــارب الدوليــة ذات الصلــة بالتنظيــم الذاتــي لمهنــة الصحافــة و فــي مجــال حمايــة حريــة التعبيــر بشــكل عــام.

نتمنى النجاح ليومكم الدراسي هذا، وأن يفضي إلى توصيات قادرة على تعزيـز الإنسـجام بيـن نـص المشـروع و مقتضيـات الدســتور و الإتفاقيــات الدوليــة و الممارسات الفضلى ذات الصلــة بهذا الموضوع، لتعزيــز قــدرة المجلــس الوطنــي للصحافــة في صيغته المقبلة علــى الإضــطلاع بـدوره كاملاً فـي حمايـة ممارسـة حريـة التعبيـر فـي مجـال الصحافـة و النشـر، و ضمــان الإلتزام بأخلاقيات المهنة بكل إستقلالية و تجرد و نزاهة، لأنها من الشروط الأساسية لحماية هذه الحرية و ضمـان الحـق فـي إعـلام حـر و متعـدد و نزيه. 

شكراً على حسن إصغاءكم، و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق