
هومبريس – ج السماوي
كشفت وثائق إستخباراتية مسرّبة، أوردتها مجلة “جون أفريك” الفرنسية، عن تورط عناصر من جبهة البوليساريو في القتال إلى جانب النظام السوري خلال الحرب الأهلية، في إطار شبكة إقليمية تقودها إيران، بمشاركة حزب الله اللبناني و بدعم سياسي و لوجستي من الجزائر.
وتؤكد هذه المعلومات، التي دعمتها أيضاً تحقيقات “واشنطن بوست”، أن مئات من مقاتلي البوليساريو تلقوا تدريبات عسكرية على يد الحرس الثوري الإيراني قبل إرسالهم إلى سوريا للمشاركة في المعارك، و هو ما يلقي الضوء على البعد العسكري للجبهة خارج خطابها الرسمي حول “تقرير المصير” في الصحراء المغربية.
وفق الوثائق المصنفة “سرية للغاية”، و التي تعود لعام 2012، تم العثور عليها ضمن أرشيف المخابرات السورية بعد إنهيار أجزاء من بنيتها الأمنية، فإن إتفاقاً ثلاثياً بين النظام السوري، جبهة البوليساريو، و الجزائر أدى إلى إرسال 120 مقاتلاً صحراوياً إلى سوريا، حيث تم توزيعهم على أربع مجموعات و إدماجهم في وحدات الجيش السوري.
كما تشير الوثائق إلى اجتماع عُقد في تندوف بين مسؤولين من الجزائر و سوريا و البوليساريو، بحضور محمد عبد العزيز، الأمين العام السابق للجبهة، و خليفته الحالي إبراهيم غالي، و عبد القادر طالب عمر، “سفير الجمهورية الوهمية” لدى الجزائر، حيث تم الإتفاق على تفاصيل العملية، بما في ذلك التدريب و التسليح و الإدماج العسكري في وحدات متخصصة.
رغم أن هذه المعلومات قد تكون صادمة من حيث تفاصيلها، إلا أنها ليست جديدة في السياق الدبلوماسي المغربي.
فقد أعلن وزير الخارجية ناصر بوريطة عام 2018 عن قطع العلاقات مع إيران، متهماً طهران بإستخدام حزب الله لتدريب و تسليح جبهة البوليساريو عبر الجزائر، و هو ما اعتبره المغرب تهديداً مباشراً لأمنه القومي.
في ظل هذه التطورات، تصاعدت المطالبات في بعض الأوساط الغربية لإعادة تصنيف جبهة البوليساريو كـ”منظمة إرهابية”، حيث تبنى النائب الأمريكي جو ويلسون هذا التوجه، فيما وصف النائب البريطاني المحافظ ليام فوكس الجبهة بأنها “ذراع إيران في شمال إفريقيا”.
وقد يؤدي هذا التصنيف إذا تم إعتماده رسمياً إلى تغيير جذري في موازين القضية، مما يمنح المغرب ورقة ضغط قوية على الساحة الدولية، و يدفع بإتجاه إعادة تقييم الدعم السياسي و اللوجستي المقدم للجبهة من قبل بعض الدول.
على الجانب السوري، لم يكن التعاون مع البوليساريو بهذا المستوى من التنسيق دائماً، حيث شهد مطلع الألفينات تقارباً بين دمشق و الرباط أدى إلى إغلاق مكتب الجبهة في العاصمة السورية.
لكن مع إندلاع الأزمة السورية عام 2011، أعادت التحولات الإقليمية فتح قنوات التعاون بين الجبهة و النظام السوري، تحت مظلة النفوذ الإيراني.
تكشف هذه الوثائق عن أبعاد جديدة للصراع الإقليمي، حيث تظهر جبهة البوليساريو كلاعب في إستراتيجية إيران التوسعية، و هو ما يفسر تشدد الموقف المغربي تجاه طهران و حلفائها في المنطقة.
كما تؤكد هذه المعلومات أن الصراعات الإقليمية باتت مترابطة بشكل متزايد، حيث تمتد تأثيراتها إلى مناطق تتجاوز حدود النزاعات المحلية.
إلى جانب الأبعاد السياسية و العسكرية لهذا الكشف، تبرز هذه الوثائق دور الأطراف الإقليمية في تشكيل خريطة النزاعات داخل الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، مما يعكس مدى تعقيد التحالفات الجيوسياسية في المنطقة.
كما تؤكد أهمية اليقظة الدبلوماسية و المراقبة الإستخباراتية في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، خاصة عندما تتداخل المصالح بين فاعلين غير حكوميين و قوى دولية تسعى لتعزيز نفوذها في مناطق إستراتيجية.