
حميد رزقي
شهد إقليم خنيفرة، صباح أمس، خروج عشرات النساء من دوار تالحيانت التابع لجماعة لهري، في مسيرة احتجاجية مشياً على الأقدام نحو مقر العمالة، قطعن خلالها ما يفوق 20 كيلومتراً تحت أشعة الشمس، في خطوة تعكس حجم المعاناة اليومية التي تعيشها الساكنة بسبب العزلة ونقص البنيات الأساسية.
النساء المحتجات، اللواتي حملن معهن أطفالهن في بعض الفترات، ركزن على مطالب ترتبط بضروريات العيش التي ظلّ الدوار يفتقدها منذ سنوات، وعلى رأسها تعبيد الطريق، توفير النقل المدرسي، سيارة إسعاف، وتأمين الماء الصالح للشرب، إضافة إلى فكّ العزلة الجغرافية عن المنطقة التي تعرف صعوبة في الولوج خلال فصول السنة، خصوصاً في الشتاء.
ورغم محاولة تدخل أمني لثني المحتجات عن مواصلة السير، أصرّت النساء على إتمام مسيرتهنّ، معتبرات أنّ حاجتهنّ للخدمات الأساسية “أولوية ملحّة لا تقبل التأجيل”.
أثار تصدّر النساء لهذه المسيرة سؤالاً مجتمعياً حول أسباب غياب الرجال عن المشهد الاحتجاجي، وهو ما يفسره فاعلون محليون بعدّة اعتبارات متداخلة.
فالمطالب المطروحة – الماء، النقل المدرسي، الطريق، الإسعاف – ترتبط بشكل مباشر بالأدوار اليومية للمرأة القروية، التي تتحمل العبء الأكبر في جلب الماء، مرافقة الأطفال، ورعاية الأسرة. ما يجعل الضرر الواقع نتيجة ضعف الخدمات يمسّ النساء قبل غيرهن.
من جهة أخرى، بات حضور المرأة القروية في الفضاء العام أكثر قوة ووضوحاً، مع ارتفاع مستوى الوعي الحقوقي داخل الأسر والأنشطة الجمعوية. كما أن عدداً من الرجال يشتغلون خارج الدوار أو يخشون تبعات الاحتجاج على وضعهم المهني أو الاجتماعي، في مقابل استعداد أكبر لدى النساء لقيادة هذه المبادرات حين يتعلق الأمر بحقوق أسرهن وعيشهن اليومي.
ويرى متابعون أن احتلال النساء لواجهة الاحتجاج يمنح الحركة بعداً رمزياً قوياً، ويعكس وصول حدّ المعاناة إلى مستوى جعل المرأة نفسها — التي تتحمّل ثقل الحياة اليومية — تخرج للمطالبة بحقوق تُعدّ من أساسيات العيش الكريم.
وتسعى النساء المحتجات، من خلال هذه الخطوة التي وُصفت محلياً بـ”مسيرة الكرامة”، إلى إيصال رسالة واضحة مفادها أنّ تأخر الخدمات الأساسية لم يعد مقبولاً، وأن تحسين أوضاع المنطقة يستدعي تدخلاً عاجلاً ومهيكلاً من الجهات المعنية، عبر برنامج تنموي يضمن الحد الأدنى من شروط العيش الكريم للساكنة.



