
هومبريس – ع ورديني
تشهد منطقة الساحل الإفريقي إضطرابات متزايدة، حيث تتشابك الأزمات السياسية و الأمنية و الإقتصادية، في ظل تغيرات إقليمية تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي.
وفي قلب هذه التحديات، تجد الجزائر نفسها في موقع حساس، إذ تواجه ضغوطاً متزايدة نتيجة الإضطرابات المستمرة في دول الجوار، إلى جانب تأثير التحولات الدولية على نفوذها الإقليمي.
الإنقلابات العسكرية في مالي، بوركينا فاسو، و النيجر، إلى جانب إنحسار الهيمنة التقليدية لبعض القوى الغربية، ترك فراغاً إستراتيجياً إستغلته روسيا عبر مجموعة فاغنر، فيما واصلت التنظيمات الإرهابية و الجماعات المسلحة العابرة للحدود تمددها في المنطقة، مما زاد من تعقيد المشهد الأمني.
أمام هذه التغيرات، تواجه الجزائر تحديات جسيمة، حيث تمتد حدودها الطويلة نحو مناطق تعاني من غياب الإستقرار، ما يجعلها عرضة لتداعيات الأحداث الجارية.
رغم مساعي الجزائر للعب دور الوسيط و ضامن الإستقرار، إلا أن تأثيرها الفعلي على القرارات السياسية لدول الجوار لا يزال محدوداً، خاصة مع تحفظها على الإنضمام إلى التحالفات الأمنية الدولية.
هذا الواقع يفرض عليها إعادة النظر في إستراتيجياتها الدفاعية، لا سيما أنها لطالما اتبعت نهجاً حذراً في الإنخراط العسكري خارج أراضيها.
إقتصادياً، و بالرغم من إمتلاكها موارد طاقية ضخمة، تواجه الجزائر تحديات داخلية تؤثر على نفوذها الإقليمي، حيث تتجلى مظاهر الهشاشة في إرتفاع معدلات البطالة، ضعف الإستثمار، و قلة التنوع الإقتصادي، ما يُقيّد قدرتها على تقديم نموذج تنموي يساهم في إستقرار المنطقة.
وفي المقابل، تبقى دول الساحل ساحة مفتوحة لصراع القوى الدولية، وسط مؤسسات محلية هشة، و ضعف في البنية التحتية، و إستمرار التوترات العرقية و القبلية التي قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد.
وإذا استمرت حالة عدم الإستقرار، فقد تواجه المنطقة موجات نزوح جماعية و إمتداداً للأعمال المسلحة نحو مناطق جديدة، مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي.
رهان المستقبل في منطقة الساحل يكمن في إعادة صياغة المقاربات الأمنية و التنموية، حيث يتطلب الإستقرار بناء تحالفات متوازنة قائمة على المصالح المشتركة، و الإستثمار في حلول طويلة الأمد.
وفي هذا السياق، يبقى أمام الجزائر خيار إستراتيجي واضح : إما أن تعيد تموضعها لتلعب دوراً أكثر تأثيراً في رسم مستقبل المنطقة، أو أن تبقى على هامش التحولات الجيوسياسية التي يعاد تشكيلها دون مشاركتها الفعلية.
تشير التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الساحل الإفريقي إلى حاجة ملحة لإعادة النظر في آليات التعامل مع التحديات الأمنية و التنموية، حيث أصبح التعاون الإقليمي أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ويعد بناء شراكات فعالة بين دول المنطقة ضرورة إستراتيجية لتعزيز الإستقرار، إذ يمكن أن يساهم تبادل المعلومات الأمنية و الإستثمارات المشتركة في خلق بيئة أكثر أماناً و إستدامة، مما يحد من إنتشار الجماعات المسلحة و يعزز التنمية الإقتصادية المتوازنة.