فوائد الصيام.. جسر بين المعرفة التقليدية و الإكتشافات الحديثة

هومبريس – ح رزقي

كشفت دراسة حديثة، أجراها فريق من معهد أبحاث الرعاية الصحية الدقيقة بجامعة كوين ماري في لندن و المدرسة النرويجية لعلوم الرياضة، عن الدور العميق الذي يلعبه الصيام المطول في إحداث تغيرات جزيئية دقيقة و منظمة في أعضاء متعددة من الجسم.

تمثل هذه الدراسة خطوة هامة لفهم العمليات البيولوجية المرتبطة بالصيام، مما يمهد الطريق لتطبيقات علاجية تستند إلى نتائج علمية دقيقة.

كيف يتكيف الجسم أثناء فترات الصيام؟

يُعتبر الصيام حالة تحول استثنائية للجسم، حيث يعيد تنظيم مصادر الطاقة التي يعتمد عليها.

خلال الأيام الأولى، تتبدل آليات التمثيل الغذائي من الإعتماد على الجلوكوز كمصدر رئيسي للطاقة إلى إستخدام الدهون المخزنة، مما يعكس مرونة الجسم للتكيف مع إنقطاع السعرات الحرارية.

هذا التحول ليس مجرد عملية سطحية، فقد كشفت الدراسة عن تأثيرات تتجاوز ذلك على مستوى البروتينات و الأنسجة.

نتائج الدراسة العلمية

تابع الباحثون 12 متطوعاً بصحة جيدة، خضعوا لصيام يعتمد على الماء فقط لمدة سبعة أيام.

من خلال تحليل دقيق لعينة دم يومية، إستطاع الباحثون قياس التغيرات في حوالي 3000 بروتين.

النتائج كانت مذهلة :  

1. تبدل مصادر الطاقة : مع الأيام الأولى، بدأ الجسم يعتمد على الدهون بدلاً من الجلوكوز لتلبية إحتياجاته من الطاقة.  

2. خسارة الوزن : سجل المشاركون فقداناً بمعدل 5.7 كغ من الدهون و العضلات.  

3. التعافي السريع للعضلات : بعد ثلاثة أيام من تناول الطعام مجدداً، استعاد المتطوعون كتلتهم العضلية المفقودة تقريباً بشكل كامل، مع إستمرار إنخفاض الدهون.  

4. تغيرات جزيئية عميقة : أظهرت التحليلات تغييرات ملحوظة في مستويات البروتينات، شملت ثلث البروتينات التي تم قياسها، بما في ذلك البروتينات العصبية التي تسهم في دعم خلايا الدماغ.

آفاق الصيام كإجراء طبي

أكدت الدكتورة كلوديا لانغنبرغ، مديرة معهد أبحاث الرعاية الصحية الدقيقة، أن نتائج الدراسة تُبرز الصيام كأداة مؤثرة لا تقتصر على فقدان الوزن، بل تمتد لتشمل تأثيرات إيجابية على وظائف الجسم الكاملة. 

وأضاف الدكتور مايك بيتزنر أن هذه البيانات تقدم أرضية صلبة لتطوير إستراتيجيات علاجية جديدة تستلهم آليات الصيام الجزيئية، مما يوفر خيارات علاجية آمنة للمرضى غير القادرين على ممارسة الصيام التقليدي.

الصيام.. جسر بين التراث الطبي و التكنولوجيا الحديثة

يتجاوز الصيام اليوم كونه عادة صحية أو دينية، ليصبح موضوعاً محورياً في الأبحاث العلمية.

هذه الدراسة تقدم دليلاً قوياً على الإمكانات الكبيرة للصيام في تحسين وظائف الجسم بطرق لم تكن مفهومة بالكامل من قبل. 

وبينما تستمر الأبحاث في هذا المجال، يبقى الصيام المطول ظاهرة تستحق مزيداً من الإستكشاف لتطوير علاجات مبتكرة قائمة على أساس علمي.