الرئيسية

إصلاح غير مسبوق في أسعار الأدوية.. المملكة المغربية تعيد رسم قواعد التسعير العادل و الشفاف

هومبريسي فيلال 

في إطار إصلاحات إستراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز العدالة الصحية و تكريس مبدأ الإنصاف في الولوج إلى العلاج، تتجه وزارة الصحة و الحماية الإجتماعية إلى اعتماد مرسوم تنظيمي جديد لإعادة هيكلة نظام تسعير الأدوية، يُرتقب أن تُستكمل صيغته النهائية خلال الأسبوع المقبل، بعد سلسلة من المشاورات التقنية و المؤسساتية.

هذا الورش التشريعي يهدف إلى مراجعة معمقة لمنظومة تحديد الأسعار، مع التركيز على ضبط هوامش الربح للمصنعين و الموزعين، و سن قواعد واضحة تُلزم بأن يكون سعر الدواء الجنيس أقل من نظيره الأصلي بنسبة محددة، بما يُعزز القدرة الشرائية للمواطنين و يُحفّز المنافسة العادلة داخل السوق الدوائية.

من جهة أخرى، كشفت دراسة تقنية أنجزها مكتب مختص لحساب الوزارة عن وجود اختلالات صارخة في التسعير، حيث تُسوّق أدوية جنيسة بنفس أسعار الأدوية الأصلية، في تناقض واضح مع فلسفة الجنيسة التي تُفترض أن تكون أكثر ولوجاً و أقل تكلفة، و هو ما يُضعف فعالية السياسات الصحية و يُربك خيارات المرضى.

وقد تم تقديم هذه المعطيات المفصلة إلى ممثلي النقابات الصيدلانية في إطار مشاورات موسعة، شملت أيضاً خبراء في الإقتصاد الصحي و ممثلي هيئات الضمان الإجتماعي، بهدف بناء توافق مؤسساتي حول التعديلات المقترحة.

فضلاً عن ذلك، يقترح المشروع خفض هوامش الربح، خاصة بالنسبة للأدوية المصنفة ضمن الشريحتين T3 و T4، و التي تشمل علاجات مكلفة لأمراض مزمنة مثل السرطان و التهاب الكبد الفيروسي، و ذلك لضمان إستدامة التغطية الصحية و تقليص الفجوة العلاجية بين الفئات الإجتماعية.

في المقابل، تُصر التنظيمات المهنية للصيادلة على استثناء الأدوية الأرخص (T1 وT2) من أي تعديل في الأسعار، نظرًا لتأثير ذلك المباشر على التوازن المالي للصيدليات، خصوصًا في المناطق ذات الكثافة السكانية المحدودة، حيث تُشكّل هذه الفئة من الأدوية مصدرًا أساسيًا لاستمرارية الخدمات الصيدلانية.

علاوة على ذلك، يُرتقب أن يتم تحديد نسبة رسمية يجب أن يقل بها سعر الدواء الجنيس عن الأصلي، وقد تصل إلى 20 أو 30٪، وفق ما تم تداوله في الاجتماعات التشاورية، بهدف تعزيز ولوج المواطنين إلى العلاج دون المساس بجودة المنتج أو استدامة القطاع، مع مراعاة التوازن بين التكلفة والفعالية العلاجية.

إضافة إلى ما سبق، يسعى المشروع إلى تحفيز التصنيع المحلي للأدوية الجنيسة، من خلال تبسيط المساطر الإدارية، وتقديم امتيازات ضريبية وتسهيلات استثمارية، مما يُعزز السيادة الصحية ويُقلص التبعية للاستيراد، خاصة في ظل التحديات العالمية المرتبطة بسلاسل التوريد وتقلبات السوق الدولية.

من جهة أخرى، يُقترح تقنين عدد البدائل الجنيسة المتوفرة لنفس المادة الفعالة، بعد تسجيل حالات تجاوزت فيها النسخ حدودًا غير منطقية، مما يُربك السوق ويُضعف القدرة على تنظيمه، ويُؤثر سلبًا على جودة العرض الدوائي، ويُصعّب على الأطباء والصيادلة اختيار الأنسب للمريض.

فضلاً عن ذلك، تُظهر توصيات الدراسة تفاوتات كبيرة في هامش الربح، تراوحت بين 1000 و8000٪، مع غياب الشفافية في تحديد تكلفة التصنيع الحقيقية، وهو ما يُفسر إصرار الوزارة على إعادة هيكلة المنظومة بشكل يُحقق التوازن بين القدرة الشرائية للمواطن واستدامة التغطية الصحية وتحفيز الابتكار الدوائي المحلي.

علاوة على ذلك، يُمكن أن يُسهم هذا الإصلاح في تعزيز تنافسية الصناعة الصيدلانية الوطنية، من خلال تشجيع الاستثمار في البحث والتطوير، وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي، بما يُواكب المعايير الدولية ويُعزز مكانة المملكة المغربية كمركز إقليمي لصناعة الأدوية الجنيسة ذات الجودة العالية.

إضافة إلى ما سبق، فإن ضبط التسعير يُعد خطوة محورية نحو ترشيد نفقات التأمين الصحي، وتوجيه الدعم نحو الأدوية المعوض عنها، مما يُسهم في تقليص العبء المالي المباشر على الأسر، ويُكرّس مبدأ الإنصاف في الولوج إلى العلاج، ويُعزز فعالية السياسات العمومية في مجال الحماية الاجتماعية.

وبعد المصادقة على المرسوم، سيُعرض على المساطر القانونية المعتمدة، في خطوة يُنظر إليها باعتبارها تحولًا نوعيًا في السياسة الدوائية الوطنية، ورافعة أساسية لتحقيق أمن دوائي فعّال، وتسعير عادل وشفاف يُراعي مصالح المواطن والمهنيين على حد سواء، ويُمهّد الطريق نحو منظومة صحية أكثر توازنًا واستدامة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق