الرئيسية

العمل عن بعد.. هل يكون خطة بديلة في المستقبل؟

هومبريس

العمل عن بعد أحد أنماط التشغيل الجديدة الآخذة في الإنتشار في المغرب كما في كل أنحاء العالم، كأحد تجليات تطور تكنولوجيا الإعلام و الإتصال، إلا أن إعتماده لم يخل من إشكالات عملية تستدعي تأطيرا قانونيا، حماية للعامل عن بعد و للمشغل على حد سواء.

ويعرف المختصون العمل عن بعد بكونه العمل الذي ينجز خارج مقر أو مقرات المقاولة أو المرافق العمومية، و يمكن أن ينجز من سكنى الأجير، أو في مكان آخر يتم الإتفاق عليه بين المشغل و العامل عن بعد، و يتم بإستعمال مختلف وسائل التكنولوجيا و التواصل الحديثة.

 لم يبرز العمل عن بعد بقوة في المغرب إلا بعد ظهور وباء كورونا (كوفيد 19)، و إعتماد الحجر الصحي العام كإجراء وقائي للحد من إنتشار هذا الفيروس المعدي، لكن لم يتوقع أحد أن تفتح هذه الأزمة الصحية العالمية المرعبة آفاقا جديدة في مجالات متعددة، و تشكل بذلك طفرة ذهنية جمعية على مستوى تصور الأشياء و ممارستها بما في ذلك مجال التشغيل و أنماطه.

إنتهاء مرحلة كوفيد19، كان إيذانا ببزوغ واقع جديد على مستوى فرص الشغل و أنماطه و توسع آفاقه، خصوصاً مع إتساع مجالات إستخدام المعلوميات و التي شملت كل جوانب الحياة البشرية، مما جعل العديد من المقاولات تلجأ إلى العمل عن بعد، سواء بإقتراح من المشغلين أو بطلب من الأجراء أنفسهم، و لم يكن ذلك ليحدث لو لم يكن لهذا النمط إيجابيات لفائدة الطرفين. 

وفي هذا الإطار، بينت إستشارة حول العمل عن بعد، أجراها المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي، في الفترة ما بين 8 و 29 أبريل 2022، من خلال المنصة الرقمية التشاركية “أشارك”، أن 81.6 في المائة من المشاركين ( بلغت مجموع التفاعلات 27638 منها 1326 إجابة)، أشاروا إلى أن العمل عن بعد مكنهم من توفير الوقت و المال المخصصين للتنقل، في حين، اعتبر أكثر من نصف المشاركين أن العمل عن بعد ساهم في التقليص من نسبة توترهم و مكنهم من بلوغ إستقلالية أكبر في تدبير المهام المناطة بهم و الحصول على تركيز أفضل.

وتوقع أغلب المشاركين (89 في المائة) أن يفرض العمل عن بعد نفسه كتوجه جديد للعمل في المغرب، فيما رأى 64.4 في المائة منهم أن العمل عن بعد يجب أن يمارس بالتناوب مع العمل الحضوري. 

ورغم إيجابيات هذا النمط من العمل، فإنه لم يخل من سلبيات سجلها المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي في تقريره، حيث اعتبر 61 في المائة من المشاركين أن ساعات العمل غير المحددة تشكل إحدى السلبيات التي تعيق العمل عن بعد، يليها تداخل الحياة الشخصية و المهنية (50 في المائة)، بينما أشار 81 في المائة منهم إلى أنهم تحملوا تكلفة الربط بشبكة الأنترنت من أجل القيام بالعمل عن بعد، فضلا عن سلبيات أخرى مرتبطة بالتأطير و التوجيه (26.5 في المائة)، و الشعور بالعزلة عن بيئة العمل (26.2 في المائة). 

ويبدو جليا أن الممارسة الميدانية للعمل عن بعد، كشفت عن إشكالات قانونية، تستدعي النظر فيها و الإشتغال عليها من خلال البحث في سبل تنظيم هذا النوع من العمل حماية لأطراف الشغل.

وفي هذا السياق، أوضح السيد أحمد بوهرو، الخبير في العلاقات المهنية و تشريع الشغل، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن تشريع الشغل الحالي المتمثل في مدونة الشغل و نصوصها التطبيقية، و في قانون حوادث الشغل، يقتصر على تقنين علاقات الشغل و ظروف العمل الخاصة بالعمل الدائم و القار، و التشغيل المؤقت، و المقاولة من الباطن، لكنه لم يتمكن لحد الآن من بسط مداه ليشمل مختلف الأشكال الجديدة للتشغيل و التي تعتبر أشكالا لا نمطية مثل العمل عن بعد، و العمل لبعض الوقت، و العمل عبر المنصات، و العمل شبه المرؤوس (para-subordonné) و غير ذلك.

وتابع الباحث، صاحب العديد من المؤلفات في مجال تشريع الشغل و العلاقات المهنية، أن التشريع الحالي لا يمنع القيام بالعمل عن بعد بصفة دائمة أو مؤقتة و ذلك وفق مبدأ سلطان إرادة الطرفين المتعاقدين، كما أن جل المقتضيات القانونية، سواء تلك المتضمنة في قانون الإلتزامات و العقود أو في مدونة الشغل، قابلة للتطبيق على علاقات العمل عن بعد. 

لكن ممارسة العمل عن بعد، في ظل الإطار القانوني الراهن، يطرح عدة إشكاليات، تتمثل أهمها، وفق الخبير بوهرو، في وضع تعريف للعامل عن بعد و تمييزه عن باقي الفئات المهنية المشابهة، و تحديد الأشغال التي يمكن إنجازها في إطار العمل عن بعد، و غياب إطار قانوني (عقد العمل عن بعد) ملائم يحدد بدقة شروط و ظروف التشغيل عن بعد، و وضع قواعد خاصة بالصحة و السلامة في العمل عن بعد، و تحديد كيفية مراقبة أداء العامل عن بعد، و تحديد الأوقات المرتبطة بالعمل و التي يمكن خلالها إعتبار الحوادث التي يتعرض لها العامل عن بعد حوادث شغل.

ومن بين هذه الإشكالات أيضاً، يضيف الخبير القانوني، تحديد الأوقات التي لا يمكن خلالها لإدارة الشركة ربط الإتصال بالعامل عن بعد لتفادي إزعاجه أثناء وقته الحر، و تتبع الحالة الصحية للعاملين عن بعد، و حماية المعطيات الشخصية للعامل عن بعد و الصور الخاصة بمقر عمله داخل منزله/ سكناه في حالة إستعمال وسائل الإتصال عن بعد، و تقنين أساليب التفتيش و المراقبة، و إقرار مبدأ المساواة في الأجور و المهنة بين العمال عن بعد و العمال المشتغلين حضوريا.

 وخلص السيد بوهرو، إلى أن هذه العناصر المرتبطة بمختلف مظاهر علاقة الشغل في حالة العمل عن بعد، يمكن أن تقنن سواء في إطار قوانين خاصة أو ضمن بنية مدونة الشغل أي في مجال تشريع رسمي، كما يمكن تأطيرها في إطار قانون شغل تعاقدي أي بواسطة إتفاقية شغل جماعية إطارية تبرم بين المنظمات المهنية للمشغلين و النقابات العمالية الأكثر تمثيلا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق