
سوق السبت- حميد رزقي
في قلب ملاعب لا ترحم، حيث يعلو الصراخ وتتسارع الأنفاس، تقف شابة بعينين ثاقبتين وثقة لا تهتز. إنها خديجة زين الدين، المندوبة الرياضية التي فرضت حضورها في عالم ظل لعقود حكراً على الرجال. ابنة مدينة سوق السبت، ذات الـ22 ربيعاً، تخوض اليوم معركتها الصامتة من أجل التميز، ضمن عصبة بني ملال – خنيفرة لكرة القدم.
بدأت خديجة رحلتها في العام 2024، حين قررت أن تقتحم مجال المناديب الرياضيين، وهو من أصعب الأدوار التنظيمية في المنظومة الكروية، نظراً لما يتطلبه من حياد صارم، ودقة في المتابعة، وقدرة على التعامل مع مختلف السيناريوهات داخل الملعب وخارجه. ومنذ بدايتها، أثبتت الشابة البنية أنها ليست مجرد عابرة في هذا الميدان، بل مشروع اسم واعد في سماء التحكيم المغربي.
ما يميز خديجة ليس فقط التزامها التام بالقوانين وتطبيقها الحرفي للمساطر، بل قدرتها على الجمع بين الحزم واللباقة. فعلى الرغم من صرامتها المعروفة داخل رقعة الميدان، إلا أن الفرق التابعة للعصبة تكنّ لها احترامًا كبيرًا، لما تتحلى به من أخلاق عالية وحسن تعامل مع اللاعبين، الطاقم التقني، والمرافقين الجالسين على دكة الاحتياط.
“خديجة لا تساوم في احترام القانون، لكنها في الوقت ذاته تحترم الجميع”، يقول أحد مدربي فرق العصبة. وأضاف: “هي قادرة على فرض النظام دون أن ترفع صوتها، وهذا ما يجعلها تحظى بقبول واسع، حتى لدى أكثر المدربين عصبية“.
لا تخفي خديجة طموحها في أن تتجاوز حدود العصبة الجهوية. هي تحلم بالوصول إلى الشارة الوطنية، بل وتتطلع بعين واثقة نحو الشارة الدولية. حلم مشروع لشابة أثبتت خلال فترة قصيرة أنها تملك الأدوات اللازمة للنجاح: الالتزام، الحضور، الهدوء، والصرامة. وهي صفات نادرة في مجال شائك مثل التحكيم الكروي، حيث الضغوطات النفسية كبيرة، والأخطاء مكلفة.
وتؤكد مصادر من داخل عصبة بني ملال – خنيفرة أن خديجة زين الدين من بين الأسماء التي تحظى بمتابعة من اللجنة المركزية، نظراً لتميزها في أداء مهامها التنظيمية خلال المباريات، وحرصها على إعداد تقارير دقيقة وشاملة.
أن تكون شابة في مقتبل العمر، وتختار مسارًا رياضيًا مغايرًا لما هو مألوف في محيطها الاجتماعي، ليس أمرًا هيّنًا. فالتحكيم الرياضي، وخصوصًا مهمة “المندوب”، لطالما ارتبط بصورة نمطية ذكورية في المخيال العام. لكن خديجة، ببساطتها وإصرارها، تقاوم هذه الصورة، وتعيد تشكيلها على مهل، لتكون مصدر إلهام لفتيات أخريات قد يجدن في تجربتها ما يكفي من الشجاعة لبداية مماثلة.