غير مصنف

أنوار لوطفي يكتب.. هَل سَيعود رَمضَانُنَا القديم يوما؟

غريبٌ أن يستقبل الناس شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن بهذه الطريقة الإلكترونية الموحشة، آلاف الرسائل المُنغمة والمفبركة والفيديوهات يتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيما بينهم كل لحظة قُبيل دخول الشهر الفضيل ولا أحد يتذوق طعمها.

هذا الضيف الغالي على قلوب المسلمين جَمع حقائبه ورحل منذ مدة، وجاء مكانه “رمضانٌ جديد” بثوب آخر لدى الناس، فألبسوه رداء إلكترونيا حتى أضحى بوجه آخر وبملامح نعرف عنها القليل ونجهل معظمها.

وقبل سنوات ليست بالكثيرة، أقصد قبل زخم العولمة لم يكن شهر رمضان “أُولمبياد طعام” لمدة شهر كامل يتنافس فيه المستهلكون على من ينفق أكبر عدد من النقود ومن يلبي نداء مَعِدته أكثر، ويتهافتون على من سيحمل أكياساً كثيرة في يده أمام الجيران. -زَمنُ رمضان القديم- لم يكن التلفزيون مَحط انتظار العائلات شيبا وشبابا، ولم تكن تبث فيه المسلسلات التي لها بداية وليست لها نهاية، ولا يستفاد منها شيئا قد يزكي بها الناس أرواحهم وأنفسهم لتقيهم شر الحاجة اﻹيمانية والروحية في هذا الشهر الفضيل.

لقد رحل رمضان القديم، لأنه لم يكن سباقاً للقنوات لتشغيل أجمل المذيعات وأحنهن صوتا، ولم يكن اﻹشهار يمر بوصلات غنائية للرقص المتنوع والتطبيل في شهر الصيام عن الشهوات، ولم تكن حينها الشاشة الصغيرة مربعا لتلقين أشياءَ أخرى.

وكانت حوائج الناس تقضى كباقي أيام السنة، حركةٌ في الصباح وسكون في الليل لا تُحركه إلا أصوات التراويح في المساجد، وكان اﻷطفال يذهبون لمدارسهم كالمعتاد والبسمات توزع على شفاه الصائمين وبين الجيران، وكانت التهنئة بالتصافح والابتسامة على الوجوه، وهذا كله في زمن الماضي أو زمن رمضان القديم.

توالت السنون ودارت عجلة اﻷيام بسرعة، حتى أصبح الناس يستقبلون رمضان بالهواتف ويودعونه بها أيضا لاستقبال العيد، وستكون هذه التهاني الالكترونية جميلة أكثر لو ترجمت في الواقع. فلا الجارُ أعطاك ابتسامته ولا المسكين صافحك في الشارع ولا حركة في الصباح ولا سكون في الليل.

وهكذا ذهب رمضان، فهل سيعود يوما ؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق