
هومبريس – ج السماوي
تشهد منطقة الساحل تحولات جيوسياسية متسارعة تُعيد تشكيل موازين القوى، و تُعمّق من عزلة الجزائر في محيطها الإقليمي، خاصة في ظل تصاعد التوتر مع مالي، التي تسعى بوضوح إلى فك الارتباط الإستراتيجي مع الجارة الشمالية، و بناء تحالفات جديدة تُعزز موقعها العسكري و السياسي.
وفي خطوة محمّلة برسائل ردعية، أعلن رئيس المرحلة الإنتقالية في مالي، الجنرال أسيمي غويتا، عقب زيارة رسمية إلى موسكو، أن بلاده حصلت على أسلحة “متطورة وسرية”، قال إنها قادرة على “قلب التوازنات الجيوسياسية” في المنطقة، دون الكشف عن طبيعتها، مؤكداً أنها لا تُمنح حتى مقابل المال، بل تأتي نتيجة “شراكات عميقة”.
هذه التصريحات، التي فُسّرت على نطاق واسع بأنها رسالة غير مباشرة إلى الجزائر، تأتي في سياق قطيعة دبلوماسية مستمرة بين البلدين، تفاقمت بعد حادثة إسقاط طائرة “درون” مالية من قبل الجيش الجزائري، بينما كانت تستهدف مجموعات مسلحة في شمال مالي.
ويرى مراقبون أن غياب أي مبادرة للتهدئة، و رفض الجزائر الإعتراف بالنظام الإنتقالي في مالي، الذي تتجه باماكو لتمديده حتى عام 2030، يُعقّد فرص التقارب، و يُضعف من قدرة الجزائر على استعادة دورها التقليدي كضامن أمني في المنطقة.
منذ وصول غويتا إلى الحكم، تبنّت مالي خطاباً سيادياً حاداً، رافضاً لأي تدخل خارجي، في إشارة واضحة إلى الجزائر، التي كانت لسنوات راعياً رئيسياً لإتفاقات السلام في شمال البلاد.
أما اليوم، فمالي تُراهن على إستراتيجية “الردع الغامض”، القائمة على التهويل دون الكشف عن القدرات، و هو أسلوب يُستخدم غالباً لخلق توازن نفسي و ردعي دون خوض مواجهة مباشرة.
في المقابل، تجد الجزائر نفسها أمام واقع جيوسياسي جديد، تفقد فيه تدريجياً أدوات تأثيرها، في ظل إنسحاب فرنسا، و تصاعد النفوذ الروسي، و تنامي العلاقات بين موسكو و العواصم العسكرية في المنطقة، على حساب تقاربها التقليدي مع الجزائر.
ويُجمع محللون على أن مالي باتت تعتبر القوة العسكرية أداة للتمكين الإقليمي، خاصة بعد ما وصفه قادتها بـ”الخذلان الغربي”، و خصوصاً من فرنسا، التي انسحبت من الساحة المالية، تاركة فراغاً ملأته موسكو تدريجياً، عبر دعم لوجستي و تعاون إستخباراتي.
كما أن هذا التحول يُبرز تراجع الجزائر عن موقعها التاريخي كوسيط إقليمي، في وقت تتشكل فيه تحالفات جديدة لا تتقاطع معها سياسياً، ولا تتردد في بناء شراكات أمنية بديلة، تُعيد رسم خريطة النفوذ في الساحل الإفريقي، و تُربك الحسابات القديمة.