
هومبريس
في صمت ثقيل، وفي ظروف قاسية لا ترحم، يواصل الشابان عبد الحليم أوشكني وزوهير تمهريرت، اعتصامهما المفتوح منذ أسابيع أمام مقر جماعة تيفرت نايت حمزة، الواقعة بين منعرجات جبال الأطلس بإقليم أزيلال. لا يطلبان المستحيل، فقط فرصة للعيش بكرامة في وطن يرفل بدساتير الحقوق وشعارات الإنصاف.
كلاهما من ذوي الاحتياجات الخاصة. كلاهما يحمل جراحًا لا تُرى، خلفتها حياة قاسية لم تُمهلهما لحظة استراحة. عبد الحليم، الذي فقد والده مبكرًا، وجد نفسه وسط واقع أسري واجتماعي هش، تابع دراسته رغم الألم والخذلان، متمسكًا ببصيص أمل لم يأتِ. أما زوهير، فقد عوّل على العلم كطوق نجاة، وحصل على شهادات جامعية، قبل أن يدرك أن الأبواب موصدة، وأن “المساواة في الفرص” تظل حبرًا على ورق في مناطق تُنسى حتى في خُطط التنمية.
الشتاء الماضي، دخلا في اعتصام أول دام 35 يومًا، تلقيا خلاله وعودًا من مسؤولين محليين على رأسهم قائد قيادة تكلفت ورئيس دائرة واويزغت. وعودٌ تبخرت مع أولى قطرات المطر. لم يتغير شيء، سوى تآكل الصبر، فقررا العودة إلى الاعتصام، وسط صمت رسمي لا يقطعه سوى وقع أقدام المارة.
لكن الشابين لا يطالبان بوظيفة في القطاع العام، كما قد يظن البعض. “نحن فقط نريد عملاً يحفظ كرامتنا”، يقول زوهير. يؤكدان استعدادهما للعمل كحراس أمن بمختلف مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أو في مؤسسات تعليمية أو إدارات عمومية مقابل أي أجر يقيهما مذلة السؤال.
جماعة تيفرت نايت حمزة ليست استثناء. إنها جزء من خارطة النسيان الممتدة على مناطق شاسعة من المغرب العميق، حيث تغيب البنية التحتية، وتنهار آمال الشباب تحت وطأة التهميش والهجرة القسرية نحو المجهول.
اعتصام عبد الحليم وزوهير ليس سوى صرخة جديدة من قلب الأطلس، تفضح واقعًا لا تسعفه البيانات الرسمية ولا تغطيه الكلمات الرنانة. إنهما يطالبان بحقهما في الحياة، في وطن يتسع للجميع، لا فقط لمن وُلدوا في المدن.