سياسة
أخر الأخبار

الصورة العامة التي خلفها الموسم عن مدينة أبي الجعد؟

تناقلت مجموعة من القنوات والمواقع الصحفية وكذا صفحات التواصل الاجتماعي بالمغرب الصورة العامة التي ظهر بها الموسوم السنوي لمدينة أبي الجعد، والتي ينظم تحت يافطة الإحياء الديني والروحي؟ وهي صورة يبقى المسؤول الأول عنها الجهات المنظمة: من مجلس جماعي والسلطة المكلفة بالداخلية وباقي الشركاء والمانحين لهذه التظاهرة التي عمرت بالمدينة على طول أسبوع كامل؟

الصورة العامة التي خلفها الموسم، والتي حاول القيمون على الموسم تعميمها أمام الرأي العام الوطني والمحلي، ظهرت بجلاء من خلال ردود الأفعال المحلية والإقليمية والوطنية، وهي صورة يمكن الجزم بأنها صورة نمطية تنهل:
أولا: موسم ينهل من ثقافة الفرجة نظير السهرات الكثيرة التي تم تنظيمها، وهي سهرات شعبية تتعارض مع العنوان الذي اختير لهذه المناسبة، وهو الشعار المعنون قصد ما سمي بالاحتفاء بالبعد الديني والثقافي للمدينة، ونتيجة هذه السهرات ونظرا لطبيعة العرض الموسيقي، فقط توافد على المدينة أصناف كثيرة من الزوار والقلة القليلة منهم من تبحث عن الصفاء الروحي وإحياء البعث الصوفي التاريخي الذي عرفته المدينة لمدة قرون كثيرة، وبالتالي فالمحصلة هم ضيوف يبحثون عن المتعة ولا شيء غير ذلك، عكس ما حاولت الجهات المنظمة تصويره.
ثانيا: من خلال ثقافة موسمية، والتي تنهل من الطابع البدوي والمرتبط بالسنة الزراعية للفلاحين، فإن الانطباع الذي يتم تسويقه من خلال التنظيم السنوي هي إحالة على ثقافة تنم عن غياب الرؤية الاستراتيجية وتجعل من مدينة أبي الجعد تحيا وفق هذه الثقافة لمدة أسبوع على أبعد تقدير من بين 366 يوم في السنة، وهي رسالة واضحة لكل المواطنين البجعديين على أن مدينتكم مدينة السبعة أيام لا أقل ولا أكثر.
ثالثا: طبيعة الحضور الذي يشكل فرصة لقياس مدى نجاح الموسم من عدمه، أي أن ضيوف الموسم الذين يحجون من كل حدب وصوب، تختلف صورهم ومستوى وعيهم، وتختلف معها درجة الحاجة للموسم، فهكذا تجد: الصحفي الذي ينشر قصاصات ويصطاد لحظات يروج من خلالها لما يعتقده أنها لحظة مميزة، والحقيقة أنها لا تعدو عن صورة مفبركة عن واقع المدينة من جميع المستويات. وتجد صاحب صفحة فيسبوكية يشكل له الموسم فرصة لإشباع شهوته البطنية نظير الولائم التي يعزم عليها لنشر مضامين منتقاة من طرف شخصيات نافذة مؤدى عنها على جهتين، وفرصة لمحاربة البطالة الفكرية والأخلاقية والعلمية التي تسكنه على مدار السنة. وفرصة لكل زائر متهافت تقوده شهوته وغريزته لإشباع نفسه من مظاهر التخلف والخرافة والتحرش والجهل وهلما جرا. وتجد -الفنان- الذي يزور المدينة باحثا عن كاميرا ترصده أو ضيف يعزمه أو جمهور يهتف بإسمه… ستجد أشكالا أخرى من البشر، تنام بالشارع العام ولا أظنها تناولت وجبة كاملة تسد بها رمق الجوع، وطبقة من المشائين بين الناس للتحرش، وطبقة من اللصوص تترصد المحافظ، وطبقة من النساء يمشين لإظهار شيئا آخر غير الوعي والقيم والفكر… ستجد أشكالا لا نشترك معها في أي شيء غير الموسم الذي ينظمه مسؤول فقير في كل شيء إلا من ثقافة البهرجة والسطحية.
رابعا: ثقافة الولائم أو الزرود، حيث الجهة نظمت (الجمعة) غذاء جماعيا، والسبت نظمت (العمالة) غذاء جماعيا، وما نظمه المجلس والمؤسسات الأخرى والشخصيات النافدة يكفي لإطعام البجعديين على مدار العام، لكنها ثقافة حاول أصحابها تقديم صورة على كرم وسخاء البجعديين، وهي صورة عكس التي تعيشها المدينة على طول السنة وما عاشته الساكنة مؤخرا مع جائحة كورونا خير دليل على تناقضات المسؤولين على الشأن العام.
خامسا: ثقافة الخرافة، في هذه النقطة سيطول الحديث كثيرا وسنحاول تلخصيه، حيث محاولة تخليد ثقافة بئيسة من قبيل المرفودة او القرابيين تحت مبررات رجعية وواهية، زيارة الضريح للتبرك حتى لا نقول شيئا آخر وهو سلوك متخلف وينم عن تغييب العقل والثقافة الدينية الصحيحة، ربط الموروث الديني بأنشطة الميوعة والبهرجة وهذا كذب وبهتان بين، تنظيم أنشطة من طرف مجموعة من الفاعلين بعيدة كل البعد عن روح العلم والمنهج والمقاربات الأكاديمية الصحيحة وغيرها كثير…
سادسا: الموسم حول المدينة إلى سوق كبير بسبب انتشار الخيم (لكياطن) وسط المدينة ليلا ونهارا، غياب المرافق الأساسية لسد احتياجات الوافدين من مطاعم ومراحيض ومراكز للإيواء، غياب مراقبة الأسعار والجودة، ما يهدد صحة وسلامة الزوار والقاطنين، انتشار الباعة المتجولين في غياب تام لشروط السلامة العامة…
سابعا: قلنا منذ البداية ان شعار الموسم باعتباره قاطرة لمسلسل التنمية كذب بواح، باعتبار أن أغلب العارضين يأتون مناطق اخرى من المغرب، وأن نسبة العارضين المحليين قليلة جدا. غياب الأنشطة التجارية المهيكلة والمستدامة من طرف أبناء المدينة والاكتفاء بانشطة غير مهيكلة وموسمية وغير دائمة.

تفاصيل الصورة الباهتة التي قدمها الموسم عن المدينة والتي نحن منها براء كثيرة، ولا تشرف أي بجعدي حر وغيور على واقع ومستقبل وصورة المدينة، فالمدينة التي ننشدها مغايرة تماما بل متناقضة مع ما تريده لها هاته الطبقة من المسؤولين والاعيان الحاليين. مدينة تنخرط في المسلسل الوطني المتعلق بالنموذج التنموي الجديد وما ترصد له من أفكار ومشاريع وموارد مالية كبيرة، قادرة على تحقيق التنمية المستدامة والمندمجة في انسجام تام مع ما تعيشه الدولة ككل، وليس من خلال التشبث بثقافة الموسم التي ولى عليها الزمن، والتي لا تشكل أي فرصة لتحقيق المنشود بقدر ما هي فرصة لتبديد المال العام وهدر الزمن السياسي الكفيلين بتحريك عجلة التنمية الحقيقية بالمدينة.

الحبيب فائز: باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بمختبر السياسات العمومية بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق