
هومبريس – ج السماوي
في خطوة تعكس دينامية جديدة في تدبير الشأن القنصلي المغربي، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، يوم الخميس 3 يوليوز 2025، عن إطلاق واحدة من أوسع حركات التعيين في صفوف القناصل العامين خلال السنوات الأخيرة. فقد شملت هذه الحركة 22 منصبًا من أصل 60، أي ما يعادل 37% من إجمالي الشبكة القنصلية المغربية حول العالم، في مؤشر واضح على رغبة الدولة في إعادة هيكلة التمثيليات القنصلية بما يواكب تطلعات الجالية المغربية بالخارج.
وتأتي هذه الخطوة تنفيذًا للتعليمات الملكية السامية الرامية إلى الارتقاء بجودة الخدمات القنصلية، وتكريس نموذج تدبيري عصري وفعّال، يستجيب لانتظارات مغاربة العالم، ويعزز حضور المملكة في محيطها الدولي. وقد شملت التعيينات الجديدة مناطق ذات كثافة عالية للجالية المغربية، أبرزها فرنسا التي نالت النصيب الأكبر بـ13 منصبًا من أصل 17، تليها إيطاليا (3 مناصب)، ثم إسبانيا (منصبان)، وبلجيكا (منصب واحد)، إضافة إلى أمريكا الشمالية من خلال تعيين قنصل عام جديد بمدينة نيويورك.
وتميّزت هذه الحركة بإدماج لافت للكفاءات النسائية، حيث تم تعيين 10 نساء من أصل 22 منصبًا، أي بنسبة 45%، ما رفع تمثيلية النساء في مناصب القنصل العام إلى 38% على مستوى الشبكة القنصلية. ويعكس هذا التوجه التزام الوزارة بمبدأ المناصفة، وسعيها إلى تمكين النساء من مواقع القرار في المجال الدبلوماسي، بما ينسجم مع التحولات المجتمعية التي يعرفها المغرب.
كما حرصت الوزارة على تحقيق توازن دقيق بين التجديد والخبرة، من خلال تعيين 11 إطارًا في منصب قنصل عام لأول مرة، بعد مسار مهني متميز داخل الوزارة أو في التمثيليات الدبلوماسية، إلى جانب إعادة انتشار سبعة قناصل، وتعيين أربعة سبق لهم أن شغلوا المنصب. ويُظهر هذا التوجه رغبة واضحة في ضخ دماء جديدة دون التفريط في الرصيد المهني المتراكم.
وتتوفر الأطر المعينة على خبرة مزدوجة في المجالين الدبلوماسي والقنصلي، ما يؤهلها للاضطلاع بمهام معقدة تتجاوز الطابع الإداري، لتشمل حماية المواطنين، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، وتعزيز التعاون الثقافي، في سياق دولي متغير يفرض على القنصليات أدوارًا أكثر دينامية ومرونة.
وتُعد هذه الحركة بمثابة إعادة ضبط استراتيجية للشبكة القنصلية، تهدف إلى جعلها أكثر قربًا من المواطنين، وأكثر قدرة على الاستجابة لانتظارات الجالية المغربية، التي تطالب بخدمات فعالة، وسريعة، وذات جودة عالية. كما تعكس هذه الدينامية الجديدة تشبث المملكة بدبلوماسية ميدانية، متجذرة في الواقع المحلي، ومتأقلمة مع تحديات العصر.
من جهة أخرى، تُبرز هذه التعيينات وعي الدولة بأهمية الجالية المغربية كقوة ناعمة، ورافعة اقتصادية وثقافية، ما يستدعي تمثيليات قنصلية قادرة على مواكبة التحولات، وتقديم خدمات تتجاوز الطابع الإداري إلى أدوار استراتيجية في الدفاع عن المصالح الوطنية بالخارج.
وفي ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها الجاليات في المهجر، من تصاعد خطاب الكراهية إلى تعقيدات الاندماج، تبدو هذه الحركة بمثابة رسالة واضحة: المغرب حاضر إلى جانب أبنائه، ليس فقط عبر الخطاب، بل من خلال إعادة بناء أدواته الدبلوماسية على أسس الكفاءة، والفعالية، والعدالة المجالية.