
أمينة الصيباري أديبة مغربية تحلم بعالم أفضل، وتؤمن بأن تحقيق هذا الحلم مسؤولية فردية وجماعية وحين تتحدث عن العالم تقصد به البيت ، الحي ،مقر العمل، المدينة وكل مكان يمكن أن يتواجد به الإنسان.
في هذا الحوار الخاص مع موقع “هومبريس”، تتحدث أمينة عن بداياتها في الشعر والكتابة و كيف تمكنت من الجمع بين عدد من الأدوار المهنية و الأدبية والشخصية، كما تحدثنا كذلك عن الحضور النسائي اللافت و القوي خاصة في كتابة الرواية و الشعر .
حاورتها : حفصة أعشا
كيف كانت بداية مسيرتك مع الرواية و كيف نجحت في المزج بينها و بين الشعر كصنف اخر من التعابير الادبية ؟
بدايتي مع الرواية كفكرة كانت قديمة، كنت أحس دوما أني أريد أن أكتب عملا سرديا، ولا اخفيك أني بدأت بكتابة السيرة الذاتية لكني تراجعت خصوصا بعد أن نشرت الديوان الأول والثاني .قد أكون فجرت كل نرجسيتي في الشعر فلم أعد بحاجة للحديث عن نفسي في الوقت الراهن. عشت سنوات الزخم في الأنشطة على المستوى الحقوقي والفني دون إغفال الدراسة .لم يكن لدي الوقت الكافي لأكتب، لكن في لحظة ما اقتنعت بأن أهم ما يمكن أن أقوم به هو تحقيق حلم إصدار رواية. بدأت الكتابة خريف 2015 وأنهيتها بعد ثلاث سنوات . كنت أصر على اقتطاع وقت بين الفينة والأخرى للكتابة، رغم كثرة الانشغالات كتبت جزءا كبيرا في العطل الصيفية، لكن عملية التنقيح كانت أصعب مرحلة ،لأن كل ما يكتب ليس بالضرورة صالحا للنشر والرواية عمل يحتاج الكثير من الصبر والإصرار.
فاعلة جمعوية، أم، مفتشة، شاعرة و مؤلفة ، كيف تمكنت من الجمع بين هذه الأدوار و ممارستها و إنجازها بنجاح؟
أظن أن المرأة لها قدرة عجيبة على فعل الكثير من الأشياء في نفس الوقت. فكرة الحداثة بنيت اساسا على العلاقة مع الزمن. حينما ندرك أهمية الوقت نحاول أن نستغله بشكل أفضل . قضيت سنوات طويلة في حرب مع الوقت نظرا لتزامن مهام كثيرة في نفس الفترة: العمل، تربية الأبناء، الدراسة والعمل الجمعوي .في هذ ه الفترة تعلمت أن أدبر الوقت بشكل جيد ، طبعا كان هذ ا على حساب راحتي الشخصية، كانت ساعات نومي لا تتعدى الأربع لمدة طويلة وهو شيء مرهق، لكن حين نفكر أننا ننجز عملا يستحق يهون كل شيء. علينا أن ندرك أن السنوات الأولى في حياة الأطفال مهمة جدا في تشكيل شخصيتهم وكنت حريصة على أن أكون معهم والبي كل طلباتهم .
بإعتبارك امراة ناشطة تجسد الحضور النسائي اللافت و القوي خاصة في كتابة الروايات و الشعر، ما هو موقفك من هذا النهوض بالمرأة في هذا المجال و كيف تفسرين هذا التزايد الملحوظ في نسبة الكتابات النسائية؟
أظن أن السنين الأخيرة عرفت طفرة مهمة جدا من حيث حضور النساء في المشهد الثقافي ، وفي اعتقادي البسيط لعبت الوسائط دورا مهما لأنها وفرت للنساء حيزا للتعبير الحر خارج كل الحواجز التي كانت مفروضة من قبل. المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي كان لها دورا رئيسيا في الإقبال على الكتابة شعرا ونثرا واختصار المسافة بين الكاتبات والقراء.
مرورا بروايتك الحديثة الصدور “ليالي تماريت” التي عالجت فيها موضوع الأرق بشكل أساسي ممزوجا بنوع من الخيال، إذ يلاحظ أن ضمير المتكلم هو المسيطر في عملية السرد لهذه الرواية، فهل يمكن اعتبارها تصويرا و تجسيدا جزئيا لشخصك ؟
كما قلت سابقا ، كان لدي مشروعا سيرذاتيا لم أتمكن من إخراجه للوجود لأني لم أكن مستعدة للكتابة عن نفسي بعد، حين شرعت في كتابة الرواية كانت لدي خيارات كثيرة لكني فضلت رهان خلق شخصيات من وحي الخيال والكتابة عن أشياء لم أعشها بالضرورة. الرواية تعالج مشكلة الأرق وشخصيا لم يسبق لي أن عانيت منه، لكني عشته مع أناس قريبين مني وعرفت حجم معاناتهم وقررت ان أتحدث عن معاناة هذه الفئة من الناس. ربما حضوري في الرواية كان أكثر كساردة بحكم أني كتبت عن مرحلة عشتها حقا بصراعاتها السياسية وأزماتها الاجتماعية وكل ما خلفته الفترة الانتقالية في المغرب قبل و بعد حكومة التناوب. أعتقد أن الرهان الكبير في الرواية هو محاولة تجاوز الذات ولو نسبيا. أما ضمير المتكلم فكان تجسيدا لغنائية فرضتها الخيارات الإستيتيقية واللغة القريبة من لغة الشعر ولان الرواية تصور العوالم الداخلية لامرأة تعيش في عزلة و تؤثث ليلها بالتذكر.
مشاريع مستقبلية تسعى أمينة إلى تحقيقها في الوقت الراهن ؟
كنت بدأت في البحث عن المادة التاريخية للكتابة عن سيرة متخيلة لجد أبي بعد أن صادفت فقرة عنه في كتاب للسوسيولوجي الفرنسي ميشو بيلير الفرنسي ،لكن مع حلول الجائحة وجدتني عاجزة عن تحقيق الأمر، على الأقل في الوقت الراهن، لكن المشروع يبقى قائما خصوصا أن حياة الرجل كما سمعتها من حكايات المرحوم أبي وبعض أفراد العائلة تستحق أن تروى. المسالة تتطلب مجهودا مهما لأن الرجل ولد نهاية القرن 19 وعاش في النصف الأول من القرن العشرين ولا يمكن المجازفة بالكتابة عن الحقبة التاريخية دون قراءات مستفيضة عن المرحلة وجمع الوثائق الضرورية .