
حميد رزقي
في قرى جهة بني ملال خنيفرة، لا يحتاج المرء إلى عدسة مكبّرة ليرى ملامح التنمية، فهي ببساطة… غير موجودة. هنا، حيث تختلط أحلام وأمال الشباب بالإهمال، يبدو أن المشروع التنموي دخل غرفة الإنعاش دون موعد للخروج.
في العديد من القرى والمراكز الحضرية، لا تسأل عن ملاعب القرب أو المسابح العمومية أو الأنشطة الثقافية والرياضية، فهذه رفاهيات وصور تعرض على القنوات، لا في دفاتر الجماعات. الأطفال يركضون خلف أحلامهم في أزقة متربة، بينما المجالس الجماعية تتفرج من بعيد.
يقول المخطاري محمد اعلامي وناشط سياسي ’’ لا يمكن فهم مشهد نيران عاشوراء في أحياء بني ملال دون التوقف عند الخلل العميق في البنية التحتية الاجتماعية الموجهة للأطفال والشباب. فحين تنظر إلى هذه المناطق، تكتشف أن الفضاءات المخصصة للتربية والترفيه شبه غائبة أو مهملة…وإن وُجدت هذه المرافق، فهي غالبًا مغلقة أو مهترئة أو خاضعة لمنطق الريع والمحاباة.
ولأن الإبداع يولد من رحم المعاناة، فقد قرر بعض الشبان بسوق السبت أولاد النمة الاحتفال بعاشوراء على طريقتهم: تفجير قنينة غاز، مع بعض النار وصوت مدوي، وقليل من اللامبالاة… ربما لتنفجر الأحزان مع القنينة، وتشتعل الأسئلة في عقول من لا يجدون جوابًا. “لماذا يلعب الشباب بالنار؟” الجواب بسيط: لأنهم لا يجدون ملعبا.
المشهد ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة هندسة دقيقة: إفراغ دور الشباب من محتواها، قتل المبادرات الثقافية الجادة، وتحويل المرافق الترفيهية والحدائق العمومية إلى فضاءات مُنفرة تُزار عند الحاجة إلى التقاط الصور لحفل رسمي. أما الشباب، فمكانهم محفوظ في الشارع، وعلى هامش المدينة، وفي الاحياء الشعبية التي تعيش عل الوعود الزائفة.
في هذه الجهة، من قال إن الفشل لا يُكافأ؟ الفشل يتقلد المناصب ويجلس في صدر المجالس، بينما يُحاصر المحتجون- كما جرى يوم الأحد 6 يوليوز بسوق السبت- بترسانة أمنية وكأنهم يهددون أمن الدولة، لا يطالبون بحق في الحياة الكريمة.
وهكذا تتحول حرية التعبير إلى ورقة مراقبة، وتصبح الوقفات الاحتجاجية “تهديدًا للاستقرار”، أما من يزرعون الوعود الوهمية، فينعمون بالطمأنينة وكأن الوطن مزرعة خاصة.
إنها مأساة حقيقية، أو لِنَقُل “كوميديا سوداء”، حيث يُطرح السؤال أكثر من الجواب، وتُلاحَق القنينة بدل تفكيك أسباب الانفجار. وبين مشاهد هذا المسلسل الطويل، لم يبقَ للمشاهدين سوى الانتظار… أو التفكير في قوارب الموت كمشروع أقرب للتنفيذ من وعود انتخابية طال أمدها.