الرئيسية

المغرب يعيد تشكيل العلاقات الإفريقية.. هل يصبح المحور الجديد في الساحل؟

هومبريسج السماوي 

في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الساحل، تسعى الحكومات العسكرية في النيجر و مالي و بوركينا فاسو إلى إعادة تشكيل علاقاتها الدولية، متخلية عن الشركاء التقليديين مثل فرنسا و الجزائر، و متجهة نحو خيارات جديدة تراها أكثر إنسجاماً مع تطلعاتها السيادية و الإقتصادية.  

وفقاً لتقرير صادر عن مجلة بيزنيس إنسايدر الإفريقية، أصبحت المملكة المغربية تمثل وجهة إستراتيجية لهذه الدول، حيث وصفها التقرير بأنها “شريان حياة حيوي” لها، خاصة في أعقاب إنسحابها من المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) عام 2024، مما دفعها للبحث عن منافذ إقتصادية بديلة.  

ويبرز التقرير أن إجتماعاً جماعياً ضم وزراء خارجية الدول الثلاث مع الملك محمد السادس، أكد خلاله الوزراء دعمهم لمبادرة “الولوج الأطلسي”، التي أطلقها المغرب لتوفير منفذ بحري عبر الموانئ المغربية المطلة على المحيط الأطلسي، مما يفتح الباب أمام تعزيز التجارة مع الأسواق العالمية و يكسر العزلة الجغرافية التي تعاني منها هذه الدول. 

هذه الخطوة تأتي في إطار توجه إستراتيجي جديد تتبناه الدول الثلاث تحت مظلة تحالف دول الساحل (AES)، حيث تسعى إلى فك إرتباطها بعدد من الشركاء السابقين و بناء تحالفات جديدة تخدم مصالحها المستقلة.

ويمثل العرض المغربي فرصة مهمة لهذه الدول، إذ يوفر لها بديلاً عن الموانئ الخاضعة لسيطرة دول الإيكواس مثل بنين و السنغال و ساحل العاج، مما يعزز إستقلاليتها الإقتصادية و يقلل من نفوذ القوى الإقليمية التقليدية عليها.  

بدأت مبادرة “الولوج الأطلسي” في نونبر 2023، عندما قدم المغرب تصوره لإنشاء ممر تجاري و لوجستي يربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي، في إطار إستراتيجيته لتعزيز التكامل الإقليمي و توسيع نطاق حضوره الإقتصادي في إفريقيا.

وقد صرح وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، بأن هذه المبادرة تمنح دول الساحل فرصة لتنويع خياراتها البحرية، مشيراً إلى أنها ستساهم بشكل كبير في تسهيل التجارة الدولية لهذه البلدان.  

إلى جانب ذلك، يواصل المغرب تعزيز موقعه الاقتصادي في المنطقة من خلال إستثمارات كبيرة في قطاعي الزراعة و الخدمات المالية، فضلاً عن مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، الذي تصل تكلفته إلى مليار دولار، و الذي من المتوقع أن يصبح أحد أهم بوابات التجارة الإقليمية في غرب إفريقيا.  

دبلوماسياً، شهد المغرب تطوراً في نفوذه داخل المنطقة، خاصة بعد إعتراف فرنسا بسيادته على الصحراء، حيث تمكن من التوسط للإفراج عن أربعة مواطنين فرنسيين كانوا محتجزين في بوركينا فاسو، في خطوة تعكس الثقة المتزايدة التي تحظى بها الرباط لدى الحكومات الجديدة في الساحل.  

ويشير التقرير إلى أن المغرب لا يقتصر دوره على الجوانب الإقتصادية فحسب، بل يسعى إلى تعزيز حضوره كلاعب رئيسي في المشهد الإفريقي، من خلال مزيج من الدبلوماسية الفاعلة و الإستثمارات الإستراتيجية، بهدف إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في غرب إفريقيا و تعزيز نفوذه الإقليمي.  

إلى جانب الأبعاد الإقتصادية و الجيوسياسية لهذه التحولات، يشير مراقبون إلى أن تعزيز الشراكة بين المغرب و دول الساحل يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مجالات الأمن و مكافحة الإرهاب، خاصة في ظل التهديدات المستمرة التي تواجه المنطقة. 

فالمغرب، الذي يتمتع بخبرة واسعة في برامج التنمية و مكافحة التطرف، يمكن أن يلعب دوراً إستراتيجياً في دعم إستقرار دول الساحل، من خلال توفير حلول تنموية متكاملة تعزز الأمن الإقليمي و تساهم في تحسين الظروف الإقتصادية و الإجتماعية لشعوب المنطقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق