
هومبريس – م أبراغ
تعد منطقة الصحراء و الساحل في غرب إفريقيا من أكثر المناطق التي تشهد إضطرابات أمنية، حيث تتداخل عوامل جغرافية و سياسية و إقتصادية مع النزاعات العرقية و الصراعات الإقليمية، مما يجعلها ساحة خصبة لنشاط التنظيمات المسلحة التي تتخذ من حمل السلاح وسيلة لتحقيق أهدافها.
وتعد هذه المنطقة نقطة التقاء لعدة أطراف، من جماعات ذات توجهات جهادية، إلى حركات إنفصالية، وصولاً إلى ميليشيات تمارس العنف لأغراض مالية.
بدأت الجماعات المسلحة في التوسع خلال أواخر التسعينيات، مع إستفادتها من الطبيعة الصحراوية الواسعة التي تسهل عمليات التنقل و التخفي، بالإضافة إلى ضعف الحكومات المركزية و عدم قدرتها على فرض سيطرتها على المناطق الحدودية النائية.
كما أسهم تهميش الشباب و غياب فرص التنمية في دفع العديد منهم إلى الإنضمام لهذه الجماعات، سواء بدافع الأيديولوجيا أو الحاجة الإقتصادية.
تنوع الحركات المسلحة
يمكن تصنيف التنظيمات المسلحة في الساحل الإفريقي إلى ثلاث فئات رئيسية : الجماعات الجهادية، الحركات الإنفصالية، و الميليشيات المسلحة التي تعمل وفق مصالح مادية.
– الجماعات الجهادية : تضم تنظيمات مثل “بوكو حرام” في نيجيريا، و تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد المغرب الإسلامي، و جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، التي نشأت من إندماج عدة فصائل تتبع لتنظيم القاعدة، و تسعى إلى فرض رؤيتها الأيديولوجية عبر العنف المسلح.
– الحركات الإنفصالية : مثل الحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي تطالب بكيان مستقل للطوارق، و كذلك الحركة العربية لتحرير أزواد، التي تأسست بدوافع قومية، هذه التنظيمات ترفض سلطة الحكومات المركزية وتسعى للإستقلال الذاتي.
– الميليشيات المسلحة : تتكون من مجموعات غير أيديولوجية، لكنها تمارس العنف بهدف تحقيق مصالح إقتصادية، حيث تنشط في عمليات السلب و النهب، و أحياناً تتعاون مع حكومات محلية لمواجهة الجماعات الأخرى.
مصادر السلاح و سبل التمويل
تواجه دول الساحل تحديات كبيرة في مواجهة هذه التنظيمات، خاصة مع إمتلاكها ترسانات ضخمة من الأسلحة التي تُستخدم في تنفيذ العمليات العسكرية و الهجمات.
وتشير تقارير إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الأسلحة مصدره مخازن الجيوش النظامية، حيث تستولي الجماعات المسلحة عليها عبر الهجمات على الثكنات العسكرية و مراكز القوات الأمنية.
وبالإضافة إلى الإستيلاء المباشر على العتاد العسكري، تعتمد بعض الفصائل على موارد محلية، حيث يتم تجديد الأسلحة القديمة و إعادة إستخدامها، بينما تستفيد الجماعات ذات النفوذ من شبكات التهريب للحصول على معدات جديدة.
وعلى الرغم من إنتشار نظريات حول تلقي هذه الجماعات دعماّ خارجياً، فإن الدراسات لم تثبت وجود إمدادات منتظمة من جهات دولية، حيث يعتمد معظمها على الموارد الداخلية و المكاسب التي تحققها من الهجمات و الغنائم.
إنعكاسات الصراع على المنطقة
أدت الأنشطة المسلحة إلى تفاقم الأوضاع الأمنية و الإقتصادية في الساحل الإفريقي، حيث باتت هذه التنظيمات تفرض تهديداً مستمراً للإستقرار السياسي و التنمية الإقتصادية.
ونتيجة لذلك، تشهد المنطقة موجات نزوح واسعة، بالإضافة إلى إنهيار الخدمات الأساسية في العديد من المناطق التي أصبحت تحت سيطرة الجماعات المسلحة.
ورغم الجهود المبذولة من المجتمع الدولي لدعم الحكومات المحلية في مواجهة الإرهاب، فإن إستمرار العنف يعكس الحاجة إلى إستراتيجيات أكثر فاعلية، تشمل الإستثمار في التنمية، و تعزيز دور المؤسسات المحلية، و البحث عن حلول سياسية تقلل من دوافع التمرد المسلح.
إلى جانب العوامل السياسية و الأمنية التي تؤثر على إستقرار منطقة الساحل، تلعب العوامل الإقتصادية دوراً جوهرياً في تأجيج الصراعات.
فالفقر و غياب الفرص الإقتصادية يدفعان بعض الأفراد إلى الإنضمام إلى الجماعات المسلحة، سواء بدافع الحاجة أو كوسيلة للحصول على مورد مالي.
لذا، فإن معالجة جذور الأزمة لا تقتصر فقط على الحلول العسكرية، بل تتطلب إستثمارات في التعليم، و التنمية المستدامة، و توفير فرص العمل لقطع الطريق أمام إستقطاب الشباب من قبل هذه التنظيمات.