
هومبريس – ع ورديني
على أعتاب مرحلة صناعية جديدة، المغرب يتقدم بثقة ليصبح لاعباً رئيسياً في صناعة القطارات، محققاً تحولاً نوعيًا في توجهاته الصناعية.
لم يعد الأمر مقتصراً على إستيراد التكنولوجيا، بل باتت المملكة تتجه نحو توطين المعرفة التقنية، و خلق منظومة إنتاجية محلية تعزز سيادتها الصناعية، و تضعها في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال.
في ظل التحولات الإقتصادية العالمية، يدرك المغرب أن إمتلاك صناعة سككية متطورة ليس مجرد خيار، بل ضرورة إستراتيجية لتعزيز إستقلاليته الصناعية، و تقوية بنيته التحتية، و الإنفتاح على أسواق جديدة.
فبعد نجاحه في مشاريع ضخمة مثل القطار فائق السرعة “البراق”، يتجه اليوم نحو مرحلة أكثر طموحاً، تقوم على نقل التكنولوجيا و تطوير قدراته الصناعية، و ذلك عبر شراكات مع شركات عالمية رائدة، مما يضعه في موقع متقدم ضمن خارطة الصناعات السككية الدولية.
هذا التحول لا يقتصر على تحقيق الإكتفاء الصناعي، بل يتماشى مع رؤية المغرب الإستراتيجية في مجال التنقل المستدام و الإقتصاد الأخضر، حيث يهدف إلى تقليص الإعتماد على الواردات، و خلق فرص شغل عالية الكفاءة، و تكوين رأس مال بشري متخصص قادر على مواكبة التطورات التكنولوجية في هذا المجال الحيوي.
المملكة تعتمد نهجاً إستباقياً في تعزيز سيادتها الصناعية، حيث لم يعد التركيز منصباً فقط على جذب الاستثمارات، بل أصبح يتمحور حول تمكين القدرات الوطنية وتطوير منظومة صناعية متكاملة تستفيد منها قطاعات أخرى مثل الصناعات الميكانيكية و الإلكترونية و الطاقية.
وتجسد الإتفاقيات الأخيرة بين المكتب الوطني للسكك الحديدية و عدد من الفاعلين الصناعيين هذا الطموح، حيث تشمل إقامة وحدات إنتاجية محلية لتصنيع عربات القطارات و صيانتها، مع إمكانية تصديرها مستقبلاً إلى الأسواق الإفريقية و الأوروبية، مما يعزز موقع المغرب كمركز صناعي إقليمي.
في ظل الدينامية الإقتصادية المتسارعة التي يشهدها المغرب، خاصة مع المشاريع الكبرى في مجالات الطاقة المتجددة، اللوجستيك، و البنية التحتية، فإن تطوير قطاع السكك الحديدية بمكوناته التصنيعية و الخدمية يمثل رهاناً إستراتيجياً، يتماشى مع البرنامج الوطني لتحديث شبكة النقل السككي، الذي يشمل إحداث خطوط جديدة تربط مختلف جهات المملكة، و ربط المناطق النائية بمنظومة نقل آمنة و فعالة.
المرحلة المقبلة تتطلب تعبئة شاملة لتكوين الكفاءات و تعزيز البحث العلمي التطبيقي المرتبط بتكنولوجيا القطارات، إلى جانب تحفيز الإستثمار في سلسلة التوريد المحلي، و رفع القدرات التنافسية للمقاولات الوطنية.
كما أن المغرب، بصفته بوابة لإفريقيا، يتمتع بفرصة فريدة ليصبح مركزاً إقليمياً لصناعة القطارات، خاصة مع تزايد الطلب في عدد من الدول الإفريقية على تطوير شبكات النقل السككي كرافعة للتنمية.
وإلى جانب الأثر الإقتصادي و التنموي، فإن هذا التوجه يعزز مكانة المغرب كوجهة صناعية ذات جاذبية عالية، و قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، إذ أن تطوير صناعة القطارات لا يقتصر على تلبية الإحتياجات المحلية، بل يفتح المجال أمام المغرب ليصبح مورداً إقليمياً رئيسياً في هذا القطاع، مما يعزز حضوره في سلاسل الإنتاج العالمية و يساهم في تعزيز دوره في الإقتصاد الدولي.