
حميد رزقي
في قلب إقليم الفقيه بن صالح، الذي لطالما كان من أبرز الأقاليم الفلاحية المساهمة في إنتاج الحليب على المستوى الوطني، تعيش عدد من التعاونيات المحلية أزمة مالية خانقة، بسبب التأخر المتواصل لشركة متخصصة في توزيع الحليب المبستر ومشتقاته، في صرف مستحقاتها المالية، وهو ما أدخل القطاع في دوامة غير مسبوقة من الارتباك والجمود.
وتفيد مصادر ميدانية أن التأخير تجاوز في بعض الحالات الثلاثين يوما، وهو ما جعل هذه التعاونيات في وضع مالي حرج أمام الفلاحين الموردين، الذين يعتمدون على مداخيل الحليب لتأمين مصاريفهم اليومية، بما في ذلك الأعلاف واليد العاملة.
يقول أحد المسؤولين عن تعاونية بالإقليم، في تصريح اعلامي، إن “الوضع لم يعد يُطاق، فقد عجزنا عن توفير السيولة المالية اللازمة لأداء مستحقات الفلاحين، وبعضهم توقف فعلا عن تزويد التعاونية بالحليب، ما أدى إلى تراجع حاد في الكميات المجمعة يوميا“.
هذا التراجع، بحسب المتحدث ذاته، لم يقتصر فقط على حجم الإنتاج، بل امتد ليهدد استمرار التعاونيات نفسها، التي تعتمد في تسييرها على دورة مالية منتظمة تُبنى على العلاقة المباشرة بين التزود والإنتاج والتوزيع.
ووسط هذا الانسداد، أطلق عدد من الفلاحين نداءات استغاثة للمسؤولين المحليين والجهات المعنية بقطاع الفلاحة والتعاونيات، للتدخل العاجل من أجل الضغط على الشركة المدبرة لسلسلة الحليب من أجل صرف المتأخرات، وتفادي مزيد من الخسائر التي قد تؤثر على الأمن الغذائي المحلي.
ويحذر فاعلون محليون من اتساع رقعة الأزمة، خاصة أن إقليم الفقيه بن صالح يضم عشرات التعاونيات الفلاحية التي تشغل مئات الأسر وتساهم في الحركية الاقتصادية للمنطقة، ما يجعل استمرار الوضع على ما هو عليه بمثابة تهديد مباشر لقطاع حيوي، لطالما لعب أدوارًا تنموية واجتماعية مهمة.
من جهته، دعا أحد الفلاحين المنضوين تحت لواء إحدى التعاونيات المتضررة إلى ضرورة تدخل الجهات الوصية، وفتح حوار جدي مع الشركة المعنية والتعاونيات، بهدف إعادة الثقة، وضمان استمرارية سلسلة الإنتاج في ظروف تضمن كرامة الفلاح ومردودية التعاونية.
وتأتي هذه الأزمة في سياق عام يعاني فيه قطاع الحليب بالمغرب من إكراهات متعددة، على رأسها ارتفاع أسعار الأعلاف، وتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، وتغير أنماط الاستهلاك، وهو ما يتطلب، بحسب مهنيين، مقاربة شمولية تدمج البعد الاجتماعي في تدبير العلاقة بين الفلاح، التعاونية، والشركات المجمعة