
هومبريس – ج السماوي
بعد ثلاثة عقود من التوترات الدامية والنزاعات المسلحة التي أودت بحياة الآلاف و شرّدت الملايين، وقّعت جمهورية الكونغو الديمقراطية و رواندا، أمس الجمعة، إتفاق سلام تاريخياً برعاية الولايات المتحدة، في خطوة وُصفت بأنها قد تُنهي أحد أكثر الصراعات استعصاءً في القارة الإفريقية.
الإتفاق، الذي جاء بعد سلسلة من المبادرات الإقليمية و الدولية الفاشلة، يُمثّل تحولاً إستراتيجياً في العلاقات بين البلدين، اللذين ظلّت علاقتهما متوترة منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، و ما تلاها من تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة، و على رأسها حركة “إم 23″، التي تتهم كينشاسا كيغالي بدعمها مقابل إمتيازات في الثروات المعدنية شرق الكونغو.
ويُتوقع أن يُمهّد هذا الإتفاق الطريق نحو مرحلة جديدة من الإستقرار في منطقة البحيرات الكبرى، خاصة أن البُعد الإقتصادي كان حاضراً بقوة في خلفية التفاهم، إذ تسعى واشنطن إلى تأمين وصول إستراتيجي إلى معادن نادرة مثل الكوبالت و الليثيوم، الضروريين في الصناعات التكنولوجية و التحول الطاقي العالمي.
يرى مراقبون أن الإتفاق لا يُجسّد فقط رغبة ثنائية في إنهاء المواجهات، بل يُعبّر عن تقاطع مصالح إقليمية و دولية في قلب إفريقيا الوسطى، في ظل تنافس محموم بين القوى الكبرى على الموارد الإستراتيجية، و سعي أمريكي واضح للحد من النفوذ الروسي و الصيني المتزايد في القارة.
رغم الأجواء الإيجابية، فإن نجاح الإتفاق سيعتمد على مدى التزام رواندا بوقف دعمها للمتمردين، و إستعداد الكونغو لإطلاق مصالحة وطنية شاملة تُنهي الإنقسامات الداخلية.
كما أن دعم المجتمع الدولي في إعادة الإعمار وبسط سيادة الدولة على المناطق الخارجة عن السيطرة سيكون حاسمًا في ترسيخ هذا السلام الوليد.
وإذا ما تم احترام بنوده، فإن هذا الإتفاق قد يُشكّل نقطة تحوّل في تاريخ المنطقة، و يمنح إفريقيا نموذجاً جديداً لتسوية النزاعات، قائمًا على التنمية و تقاسم المصالح، بدلاً من منطق السلاح و توازنات الميدان.