
هومبريس – ي فيلال
في خطوة تعكس تحولًا نوعيًا في فلسفة السياسة الجنائية بالمغرب، وجه السيد هشام البلاوي، رئيس النيابة العامة، دورية رسمية إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك بمختلف محاكم المملكة، دعاهم فيها إلى ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، مؤكدًا أنه إجراء استثنائي لا يُلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى التي تفرضها حماية المجتمع وسلامة أفراده.
في هذا السياق، شدد البلاوي على ضرورة ترسيخ ثقافة قانونية تجعل من الاعتقال الاحتياطي تدبيرًا محدودًا، داعيًا إلى تفعيل البدائل القانونية المتاحة، مثل المراقبة القضائية والعدالة التصالحية، بما يُسهم في الحد من الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، ويُعزز ثقة المواطنين في استقلالية القضاء ونجاعته.
من جهة أخرى، نبه رئيس النيابة العامة إلى التحديات الموسمية التي يعرفها فصل الصيف، حيث ترتفع معدلات الجريمة، وتتزايد حالات الاعتقال، نتيجة العطلة القضائية وما يرافقها من ضغط على الموارد البشرية. ودعا المسؤولين القضائيين إلى تسريع عرض ملفات المعتقلين الاحتياطيين على الجلسات، وتتبعها بشكل منتظم، مع التفاعل الفوري مع أية صعوبات ميدانية قد تعترضها.
إضافة إلى ذلك، أوصى البلاوي باستثمار اجتماعات اللجان المحلية والجهوية كفضاء لتقييم الوضع، ومعالجة الإشكالات العملية، وتنسيق الجهود بين النيابة العامة ومكونات السلطة القضائية، من أجل ضمان احترام الآجال القانونية وتحصين المكتسبات المحققة في مجال تقليص نسب الاعتقال.
علاوة على ذلك، أشار إلى أن التنسيق المؤسسي بين رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية مكّن، في فترات سابقة، من تقليص نسبة المعتقلين الاحتياطيين إلى أقل من 30% من مجموع الساكنة السجنية، وهو مؤشر إيجابي يعكس فعالية المقاربة المعتمدة.
فضلًا عن البعد الإجرائي، أكد رئيس النيابة العامة على أهمية استحضار البعد الإنساني والحقوقي في اتخاذ قرارات الاعتقال، بما ينسجم مع مقتضيات الدستور المغربي، الذي يُكرّس مبدأ قرينة البراءة، ويضع حماية الحريات الفردية في صلب العدالة الجنائية.
وإلى جانب ذلك، شدد على أن ترشيد الاعتقال الاحتياطي ليس فقط مسألة قانونية، بل هو أيضًا رهان مجتمعي يتطلب انخراطًا جماعيًا من كافة المتدخلين في منظومة العدالة، من قضاة ومحامين وأمنيين، من أجل بناء عدالة أكثر توازنًا، تُراعي حقوق الأفراد دون التفريط في حماية النظام العام.