
هومبريس – ع ورديني
تستعد مدينة وجدة لإحتضان ندوة وطنية وازنة حول الإعلام والتحول في إفريقيا، تنظمها أكاديمية المستقبل للإعلام و التواصل، والحدث الإفريقي، بشراكة مع جامعة محمد الأول، و ذلك في ظل التحولات الجذرية و المتسارعة التي تعيشها القارة الإفريقية.
وتأتي هذه الفعالية الفكرية المهمة تحت عنوان “الإعلام و التحول في إفريقيا : من نقل الأخبار إلى صناعة التغيير”، يوم السبت 19 يوليوز 2025، بقاعة الندوات بمعهد نوري التقني و العلمي بالإقامة الجامعية الصفصاف، في سياق دولي و إقليمي يعيد النظر في أدوار الصحافة التقليدية، و موقعها من الأحداث الكبرى التي تشهدها القارة السمراء.
في هذا الصدد، لم يعد الإعلام الإفريقي يكتفي بدور الناقل أو المرآة العاكسة للواقع، بل تحوّل تدريجياً إلى فاعل محوري في تشكيل الوعي الجماعي و توجيه الرأي العام، خاصة في ظل التوسع المتسارع في المنصات الرقمية، و إنخراط المواطن في إنتاج المحتوى و تداوله.
علاوة على ذلك، بات الإعلام اليوم شريكاً حقيقياً في مسارات التغيير السياسي و الإجتماعي، و مساهماً أساسيًا في تعزيز الديمقراطية، و ترسيخ قيم الحوكمة الرشيدة، و دعم مشاريع التنمية المستدامة.
من جهة أخرى، تطرح الندوة إشكالية التحول من إعلام تقليدي قائم على النقل، إلى إعلام مبادر و نقدي و منخرط في صناعة المستقبل الإفريقي، من خلال مساءلة تدبير الشأن العام، و نقل التجارب المحلية و الدولية، و تقديم مقترحات تنموية تواكب تعقيدات الواقع الإفريقي.
إلى جانب ذلك، تخصص الندوة مساحة هامة لمعالجة ملف مغربية الصحراء باعتباره نموذجاً للتوظيف الإعلامي الذكي في الدفاع عن القضايا السيادية، حيث ساهمت الرؤية الملكية الإستشرافية التي تجسدت في مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007، في تغيير بوصلة هذا النزاع المفتعل.
فقد تمكن الإعلام المغربي، ضمن إستراتيجية دبلوماسية غير مسبوقة، من قيادة حملة مؤثرة لتسويق مشروعية الملف، و التصدي للدعاية العدائية، و حشد دعم المنتظم الدولي حول الحل السلمي القائم على الواقعية و النجاعة.
فضلاً عن ذلك، لا تغفل الندوة مسؤولية الإعلام الإفريقي في تفكيك الصورة النمطية التي ترسّخها بعض وسائل الإعلام الغربية حول القارة، و التي غالباً ما تختزلها في الفقر و النزاعات، و تُغيب عن عمد إنجازاتها السياسية و الإقتصادية و التحولات المجتمعية المتسارعة.
في المقابل، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة صياغة السردية الإفريقية، بما يفرض على الإعلام المحلي أن يعكس نبض الشعوب، و يُبرز تنوعها الثقافي و تجاربها التنموية الناجحة، وأن يتحرر من التبعية الخطابية والرمزية التي تراكمت بفعل الإستعمار و الخطاب المُهيمن.
في الحين الذي تُراهن فيه القارة على شبابها، تشكّل هذه الندوة منصة تفاعلية للشباب الإفريقي المتعطش للتغيير، من أجل نقاش جماعي حول دور الإعلام في توسيع مساحة التعبير، و تعزيز المشاركة الديمقراطية، و مواكبة الحراك الشعبي و التنموي في إفريقيا.
على سبيل المثال، أصبح “إعلام المواطن”، الذي يتغذى على المنصات الرقمية، بديلاً قوياً يمارس الرقابة المجتمعية، و يؤسس لصحافة تشاركية تؤمن بقيمة الرأي العام في صناعة القرار، و تدفع نحو ترسيخ العدالة الإعلامية كمقوم أساسي في المجتمعات الحديثة.
على صعيد آخر، يتضمن برنامج الندوة مجموعة من المداخلات الأكاديمية و النقاشات العميقة التي يؤطرها ثلة من الخبراء و الباحثين المغاربة و الأفارقة، من مجالات متعددة تشمل الإعلام و الإتصال، و الذكاء الإصطناعي، و العلاقات الدولية، و التعاون الإفريقي، و الدبلوماسية العمومية، و التنمية الترابية.
وفق هذا التصور، تضم قائمة المتدخلين كل من : الدكتور الطاهر بالحضري، والدكتور هشام كزوط، والدكتور هشام المكي، و الدكتورة فاطمة الزهراء البصراوي، و الدكتور خالد الشيات، و الأستاذ عبد السلام العزوزي، و الدكتور مصطفى لمريط، و الدكتورة انتصار حدية، و الدكتور مدواني محمد، و الدكتور حسين ساف.
وستتناول عروضهم محاور إستراتيجية متعددة، منها صحافة المواطن الرقمي، و أخلاقيات الإعلام في عصر الذكاء الإصطناعي، و دور الإعلام في الدفاع عن القضايا السيادية، و الإعلام كرافعة للتنمية في إفريقيا، و التحديات المترتبة عن الأخبار الزائفة و التضليل الإعلامي.
و في ضوء هذا الزخم الفكري، تُعد هذه الندوة دعوة صريحة لإعادة بناء المشهد الإعلامي الإفريقي، على أسس مهنية و معرفية و إنسانية، قادرة على مواكبة التحولات الكبرى في القارة، و تجاوز أوجه القصور المؤسساتي و الرمزي الذي طال الإعلام لعقود.
إنها فرصة لتجديد الخطاب الإعلامي، و استعادة هيبة الصحافة الإفريقية بوصفها سلطة مجتمعية مؤثرة، و صانعة للرأي العام، و شريكاً محورياً في صياغة رؤية تنموية شاملة و عادلة، قادرة على تحرير القارة من التبعية و إستشراف مستقبل مستقل أساسه الحرية و الكرامة و المشاركة.