
هومبريس – ج السماوي
أكد الخبير الأمني محمد اكضيض أن تراجع نشاط الجماعات الإسلامية المتشددة في شمال إفريقيا خلال السنوات الأخيرة لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة مباشرة لنجاح دول، وعلى رأسها المملكة المغربية، في تبني مقاربات أمنية واستباقية فعالة، استطاعت كبح جماح التطرف العنيف وتفكيك بنياته التنظيمية والفكرية.
وأوضح اكضيض، في تصريح لقناة دوزيم، أن المملكة المغربية تُعد من بين الدول القليلة التي تمكنت من بناء منظومة أمنية وقانونية متماسكة لمحاربة الإرهاب، مشيرًا إلى أن هذا المسار بدأ منذ أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، حيث أدركت الدولة المغربية مبكرًا خطورة الفكر المتطرف وضرورة مواجهته عبر أدوات أمنية وتشريعية وفكرية متكاملة.
وتقوم المقاربة المغربية على جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية بدقة، مع تنسيق محكم بين مختلف الأجهزة الأمنية، وهو ما مكّن من إحباط العديد من العمليات الإرهابية قبل تنفيذها.
كما أن المملكة لا تعمل في عزلة، بل تربط شراكات استراتيجية مع دول مثل فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، لرصد التهديدات العابرة للحدود وتتبع تحركات الخلايا النائمة ومصادر تمويلها.
من جهة أخرى، حذر اكضيض من أن الجماعات المتطرفة، خاصة في منطقة الساحل، تستغل هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لاستقطاب الشباب، مستعملة خطابًا دينيًا مشوهًا يعدهم بالفردوس الموعود، مستغلين الفقر والتهميش وضعف الوعي.
علاوة على ذلك، نبه إلى خطورة التداخل بين التنظيمات الإرهابية والجماعات الانفصالية، مشيرًا إلى أن جبهة البوليساريو تضم عناصر متطرفة من دول الساحل وتحظى بدعم سياسي وعسكري من الجزائر، ما يشكل تهديدًا إضافيًا للاستقرار الإقليمي.
وأشار إلى أن قوة المملكة المغربية في مواجهة هذه التحديات تنبع من استقرارها السياسي والإجماع الوطني حول المؤسسة الملكية، وهو ما يجعل المجتمع المغربي أقل عرضة للاختراق الأيديولوجي، بخلاف دول تعاني من انقسامات داخلية مثل ليبيا أو سوريا.
كما شدد على أن الأجهزة الأمنية المغربية لا تكتفي بحماية الداخل، بل تسهر أيضًا على أمن المواطنين في الخارج، مستشهدًا بحادثة السائقين المغاربة المختطفين في مالي، وكيف تمكنت الدولة من إعادتهم سالمين عبر تحركات استخباراتية ودبلوماسية دقيقة.
المقاربة المغربية بين الاستباق والتكامل
تعكس تجربة المملكة المغربية في مكافحة الإرهاب نموذجًا متقدمًا يجمع بين الاستباق الأمني والتكامل المؤسساتي.
فنجاحها لا يرتكز فقط على القوة الاستخباراتية، بل على انسجام السياسات الأمنية مع التشريعات الوطنية، وضبط الحقل الديني، وتفعيل دور المؤسسات التربوية والثقافية في تحصين المجتمع من الفكر المتطرف.
الأمن الإقليمي في ظل التهديدات العابرة للحدود
في هذا السياق، تبرز المملكة المغربية كفاعل إقليمي مسؤول في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، خاصة في منطقة الساحل التي تشهد تمددًا للجماعات الإرهابية.
ومن خلال شراكاتها الدولية، تساهم المملكة في تعزيز الأمن الجماعي، وتقديم نموذج للتعاون الاستخباراتي والدبلوماسي الفعال، بما يضمن استقرار المنطقة ويُحد من انتشار التطرف.
وختم اكضيض تصريحه بالتأكيد على أن انخفاض العمليات الإرهابية لا يعني زوال الخطر، داعيًا إلى يقظة دائمة وتطوير مستمر للمنظومات الأمنية والقانونية، مع تبني مقاربات شاملة تدمج البعد التنموي والثقافي إلى جانب الأمني، حتى تبقى المملكة المغربية نموذجًا رائدًا في استقرار شمال إفريقيا والقارة الإفريقية.