الرئيسية

الأمن المائي في المغرب.. بين التحديات المناخية المتفاقمة و الرؤية الإستراتيجية الطموحة

هومبريسح رزقي 

يواجه المغرب تحديات متزايدة في إدارة موارده المائية بفعل التغيرات المناخية، تراجع التساقطات المطرية، و النمو الديمغرافي المتسارع، مما دفع السلطات إلى تبني سياسة إستباقية ترتكز على رؤية إستراتيجية متكاملة لضمان الأمن المائي للبلاد  

إدراكاً لأهمية هذه القضية، أطلق المغرب البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي يهدف إلى تأمين التزويد بالماء بشكل مستدام عبر تعبئة الموارد التقليدية و غير التقليدية، مثل تحلية مياه البحر و إعادة إستعمال المياه العادمة المعالجة. 

وقد تم تعزيز هذا التوجه بإنشاء محطات ضخمة لتحلية المياه في مدن ساحلية مثل أكادير و الدار البيضاء، بهدف تقليل الضغط على الموارد السطحية و الجوفية.  

كما اعتمد المغرب سياسة السدود كخيار إستراتيجي منذ عقود، مما مكّنه من بناء رصيد مهم من المنشآت المائية التي تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم الجريان المائي، تخزين المياه، و توزيعها حسب الحاجيات. 

ومع ذلك، فإن تواتر سنوات الجفاف دفع إلى التفكير في تحديث هذه السياسة عبر بناء سدود تلية جديدة، تعزيز صيانة السدود القائمة، و تحسين مردوديتها.  

إلى جانب ذلك، تحرص الدولة على ترسيخ ثقافة إقتصاد الماء من خلال برامج التحسيس، تحديث شبكات التوزيع للحد من الضياع، و تعميم تقنيات الري بالتنقيط في القطاع الفلاحي، الذي يُعد أحد أكثر القطاعات إستهلاكاً للمياه.

كما تم تشجيع الشراكة بين القطاعين العام و الخاص لتمويل مشاريع مائية كبرى، إنطلاقاً من أن قضية الماء لم تعد مسؤولية الدولة وحدها، بل تهم كافة الفاعلين و المؤسسات.

هذه المقاربة تتقاطع مع توجه المغرب نحو العدالة المجالية، حيث تسعى السلطات إلى ضمان توزيع عادل للموارد المائية بين الجهات، و تجاوز الفوارق بين المناطق التي تعاني خصاصاً بنيوياً، خاصة في العالم القروي و المناطق الجبلية. 

وتستند هذه السياسة إلى أدوات تخطيطية متقدمة، مثل المخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية، التي تحدد إمكانيات كل حوض مائي و أولويات التدخل.  

في إطار تعزيز الأمن المائي الوطني، تبنّى المغرب مشروع الطرق السيارة للمياه، الذي يقوم على ربط الأحواض المائية ببعضها البعض، و نقل المياه من المناطق ذات الفائض إلى المناطق التي تعاني من الخصاص، مما يضمن توزيعًا أكثر إنصافاً للموارد المائية. 

هذا المشروع يُعد الأضخم من نوعه في تاريخ المغرب، حيث يهدف إلى نقل ما يناهز 1.2 مليار متر مكعب سنوياً لدعم التزويد بالماء الصالح للشرب، تحسين شبكات الري، و الحفاظ على الفرشة المائية في المناطق التي تعاني إستنزافاً مقلقاً بسبب النشاط الزراعي. 

يمكن القول إن السياسة المائية المغربية، رغم التحديات المناخية و الهيكلية، تتجه نحو نموذج متجدد قائم على الحكامة الجيدة، إستباق الأزمات، و تنويع مصادر التموين، مما يجعل الأمن المائي ركيزة للتنمية المستدامة و ضماناً لإستقرار البلاد الإجتماعي و الإقتصادي.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق