الرئيسية

روبورطاج.. عـ.ـصابات ”الكمارة” تهـ.ـدد بزوال الثروة الغابوية

هومبريسكمال عسو 

وأنت في طريقك إلى مدينة فاس عبر الطريق الرابط بينها و إقليم ميدلت، تثيرك أهم و أجمل الغابات التابعة للنفوذ الترابي للإقليم، بحيث تغطي ما مساحته 458 370 هكتار أي 34 بالمائة من إجمالي مساحة الإقليم تتشكل من عدة أشجار بشتى أنواعها و أشكالها، و يضاف إلى هذا التنوع، غطاء نباتي يتكون من أنواع مختلفة من النباتات، حيث يزخر إقليم ميدلت بطبيعة نباتية غنية ساهم في تنوعها تعدد العوامل الطبيعية، و هكذا نجد النباتات العطرية، و كذا الأعشاب الطبية بفوائدها الكثيرة، و التي يمكن إستثمارها في مجال صناعة الأدوية، و مواد التجميل، و كذا المجال الغذائي، حيث تعرف هذه الأعشاب إقبالا متزايدا خاصة في السوق الدولية كما تغطي الأعشاب الطبية التي تنبت بشكل طبيعي مساحات هامة من الغطاء الغابوي أو من أراضي الجموع أو الملك الخاص، فضلاً عن مساهمتها (غابات إقليم ميدلت) في توفير الكلأ لفائدة الماشية، علاوة على كونها فضاء إيكولوجيا للعديد من الحيوانات و أنواع مختلفة من الطيور، لكن الرعي الجائر و الإستغلال المفرط و قطع الأشجار و إحراق الغابات، نتج عن تدهور بعض هذه الغابات و سقوطها في عدة مشاكل.

إجهاض مواليد الأشجار

أكد أحد المهتمين بالمجال الغابوي على أن “الوسط الغابوي يمتاز بتنوع الحيوانات و النباتات التي تعيش به و توفر لها وسط عيش ملائم، إضافة إلى قيمتها الطبيعية التي تتجلى في كونها تحافظ على التربة خلال الأمطار الغزيرة بواسطة جذورها و أوراقها الكثيفة، ثم تمنع التصحر و تمدنا بغاز الأكسجين الضروري و تحافظ على رطوبة الجو، لكن ظاهرة ما يسمى بـ ”الكمارة” الذين يسرقون أشجار الغابة ليلا شرعت في إجهاض مواليدها و ذبح كبيراتها من الأشجار” .

أحد السكان المجاورين لإحدى الغابات بإقليم ميدلت، صرح بنبرة متذمرة “ندخل أحيانا للغابة و نجمع الأغصان و بقايا الأشجار المهربة من لدن العصابات الليلية أو ما يسمى بـ ”الكمارة”، فهناك مقاولات بدورها تستفيد من قطع الغابة قصد تزويد السوق المحلية و الوطنية و الجهوية بالأخشاب في إطار السمسرة التي تقام سنوياً في شكل علني، لكنها لا تخلو من مضاربات تنتهي على حساب الغابة، من خلال قطع ضعف المساحة التي تحددها الإدارة في خريطة المواقع المعروضة للبيع و التي تخضع لشروط تجيز قطع الشجرة اليابسة و الجافة، و هو ما لا يتم إحترامه من لدن المستفيدين، إذ يعمدون إلى مسح العلامات التي يضعها التقني الغابوي على الأشجار التي تدخل في عملية القطع بإستعمال مادة ”الدوليو“، و وضع علامات بنفس اللون من الصباغة على أشجار أخرى من الحجم الضخم و الذي سيدر على المقاول أرباحا مهمة”.

و”الكمارة” هم عبارة عن عصابات تستنزف ليلا الثروات الغابوية و خاصة الأشجار بطريقة غير قانونية، فأحيانا يواجهون أعوان قطاع المياه و الغابات عند شعورهم بتواجدهم بإستعمال أسلحة صيد أو بيضاء.

أما “محمد” و هو عضو بإحدى الجمعيات الغابوية، فيتذكر قصة ما وقع لأحد الأشخاص مع “الكمارة ” عندما تعرض لإعتداء من قبل ما يقارب 11 شخصاً من هذه الفئة كانوا مدججين بأسلحة بيضاء و معدات تخريب الغابة و سيارتين فلاحيتين حيث تعرض – حسب محمد – للضرب المبرح، إستدعى نقله على وجه السرعة إلى المستشفى لتلقي العلاجات الضرورية و أجريت له عملية جراحية على الفور، مشيراً في نفس الوقت إلى أن تواتر الأخطار التي تهدد سلامة و حياة الغابويين الميدانيين في ظل تحول الجنح الغابوية إلى جرائم منظمة يتوفر مقترفوها على أدوات عمل تتجاوز الإمكانيات البسيطة و المحدودة المتوفرة للغابويين، مستغرباً من تردي شروط العمل بالنسبة للغابويين الميدانيين، حيث العمل في ظل غياب الإمكانيات البشرية و اللوجيستيكية وهزالة التحفيزات و ضعف الحماية القانونية، فضلاً عن شساعة المساحات الغابوية التي تقع تحت مسؤوليتهم.

اتهامات بالتواطؤ

بدوره وجه الجيلالي و هو في السابق كان من أحد أعضاء عصابات “الكمارة”، إنتقادات لاذعة لبعض أعوان المياه و الغابات من خلال ما وصفه بـ”التواطؤ” الذي يجري مع “الكمارة”، عن طريق الإتفاق على خطة عمل محكمة في تهريب المسروقات سواء بإختيارها للأوقات التي يصعب فيها مراقبتها خاصة في موسم تساقط الثلوج، تواطؤ يكلف الثروة الغابوية فقدان الآلاف الهكتارات من أجود الأشجار سنوياً، خاصة الأرز الذي يعرف طلباً كبيراً في أسواق الخشب و بأثمنة عالية، متحسرا على الحقبة التي كان فيها عون الغابة بالمرصاد لمن سولت له نفسه قطع الأشجار أو حتى دخول الغابة بدون رخصة المرور.

أما انبارش فيحكي أيضا قائلا :” بدوري كنت أتوفر على رخصة المرور في الغابة و سحبت مني قصد تجديدها و حرمت منها بدون أي سند قانوني، لكن هذا لم يمنعني من الدخول اليومي للغابة و جمع الأغصان و بقايا الأشجار المهربة من لدن العصابات الليلية.. ”، و عن سبب لجوئه للغابة يضيف انبارش، “الإرتفاع الصاروخي لأثمنة الحطب هي التي تدفعني لللجوء للغابة دون سند قانوني، لأن أغلب السكان فقراء في المناطق الجبلية و لا يتوفرون على فرص شغل و غير قادرين على توفير مبالغ مالية لإقتناء حطب التدفئة و سيكون الموت مصيرهم إن لم يوفرون لأبنائهم التدفئة خلال فصل الشتاء ”.

دورية مشتركة

كانت مصالح المياه و الغابات، قد أصدرت دورية مشتركة متعلقة بمحاربة ظاهرة الإعتداء على الثروات الغابوية و التصدي للإعتداءات على حراسها حيث مكنت منذ إصدارها سنة 2011 من تخفيف الضغط على الثروات الطبيعية و أسست بفضل البرنامج العشري لمنظور جديد لحماية و تأهيل المنظومة الغابوية.

وفي هذا الصدد، ركزت المصالح في دوريتها، على أن المجال الغابوي يعاني من ضغوطات بشرية، حيث قدر نهب الثروات الغابوية بـ 8800 متر مكعب من خشب الأرز سنويا، أي ما يعادل 53 مليون درهم عن طريق تكوين عصابات منظمة مدججة بأدوات متطورة و أسلحة تتفرع إلى فرق مختصة في القطع و النشر و أخرى مختصة في النقل و التخزين على مستوى الدواوير، إضافة إلى فرق مكلفة بالنقل و تزويد مراكز التسويق، فضلاً عن تطور المخالفة البسيطة لتلبية الحاجيات المنزلية إلى نهب منظم ينذر بنسف المجهودات المبذولة للحفاظ على الغابات و تنميتها، مشيرة في نفس الدورية إلى المنهجية التشاركية المعتمدة عن طريق تنظيم ذوي الإنتفاع في إطار جمعيات لإعادة توازن النظم الغابوية مع محيطها البشري، بحيث تأسست العديد من التعاونيات لإستغلال الخشب تنضاف إلى تعاونيات أخرى لإستغلال النباتات العطرية و الطبية أما بخصوص المنهجية الزجرية فهي تفعيل الدورية المشتركة حول الإعتداءات عن طريق إتخاذ تدابير عملية ردعية توازي خطورة الوضعية عبر تعبئة شاملة و منسقة و سريعة لكل السلطات المعنية من خلال ردع المعتدين على الأعوان أو الثروات الغابوية و المخالفين المشهورين مع تشديد المراقبة على نقل و تهريب الأخشاب وعلى محلات النجارة و تقطيع الأخشاب و تتبع الجرائم الغابوية و تكييفها مع القانون الجنائي، كما عملت المندوبية من خلال دوريتها المشتركة بتسخير القوة العمومية المناسبة بالسرعة و العدد الكافيين و الإسراع في البث و تنفيذ الأحكام عن طريق التنسيق مع السلطات القضائية المختصة لتحريك إجراءات التبليغ في إطار مساطر التنفيذ و انتداب مفوضين قضائيين، و كذا تعميم لائحة المخالفين و بعض صور المطلوبين لرصد حركتهم و التبليغ عنهم.

جهود مبذولة مفعولها محدود 

رغم المجهودات المبذولة يبقى مفعولها محدود في غياب ملاحقة المخالفين المشهورين و القبض عليهم، ثم تنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم سيما و أن المخالفات تقترف من طرف عصابات مكونة من عدة أشخاص، ناهيك عن ظروف اقتراف المخالفات ( الليل –تضاريس صعبة . . . ) ، مما يعيق عمليات التدخل و عدم مراعاة طبيعة عمل رجل المياه و الغابات، خاصة عندما يتعلق الأمر بمكافحة الجنح الغابوية.

فبدوره يرى أحد الجمعويين المهتمين بالبيئة، أن المقاربة الأمنية لن تجدي نفعا، فاسترجاع الثقة المفقودة بين السكان المجاورين للغابة و مسؤولي قطاع المياه و الغابات، أصبحت ضرورة ملحة فيجب أن تتضافر جهود جميع المتدخلين من أجل سن و تفعيل إستراتيجية حقيقية للحفاظ على الإرث الغابوي، عبر اقتراح مشاريع تنموية تساعد الساكنة المجاورة للغابة من الإنخراط في التنمية المحلية بمشاريع مدرة للدخل و تشغل اليد العاملة المحلية، كزراعة الأعشاب الطبية التي تنتشر أنواعها المختلفة على إمتداد الغابة، بدل إستنزافها من لدن العشابين و الرعاة، و تخفيض فاتورات الكهرباء خلال فصل الشتاء لتشجيع وسائل التدفئة الكهرومنزلية، و إعادة تصنيع النفايات، كما هو الشأن لدول أجنبية كروسيا ووغيرها، بإعتبار أنها غير مكلفة، مقارنة مع أسعار الحطب التي ترتفع أثمنتها أحيانا.

إعادة الإعتبار للغابة

أكد أحد المختصين في المجال الغابوي، على أن الثروات الغابوية بصفة عامة تتعرض للضغط، بسبب عاملين رئيسين هما الإستغلال غير القانوني للأخشاب و الرعي الجائر، مشيراً إلى أن مرتكبي المخالفات الغابوية ينقسمون إلى صنفين، الصنف الأول يتمثل في بعض السكان الذين يقطنون بداخل الغابة أو بجوارها و الذين تشكل الغابة مصدر عيشهم الأساسي، أما الصنف الثاني و يتمثل في العصابات المنظمة و منهم ما يسمى بـ ‘الكمارة’ و هو الذي يشكل خطورة أكبر على الغابة، مبرزاً أنه، للحد من هذا الضغط و القضاء عليه، اعتمد قطاع المياه و الغابات، على إستراتيجية مندمجة مبنية على مقاربتين متكاملتين و تتعلقان بمقاربة تشاركية تتجلى في تنظيم ذوي الحقوق من الساكنة المجاورة للغابة في تعاونيات غابوية و جمعيات رعوية و إشراكهم في المحافظة على الموارد الغابوية، أما بالنسبة للتعاونيات الغابوية فقد تم إبرام عقود للشراكة مع هذه التعاونيات من أجل تعزيز الحراسة و تثمين المنتوجات الغابوية و منح مقاصة مالية لفائدة الساكنة المجاورة للغابة المنظمة في إطار جمعيات رعوية لذوي الحقوق من أجل حماية المجال الغابوي المراد إستغلاله أو إحياؤه، مشيراً إلى أن هناك مقاربة زجرية عبر مواجهة العصابات المنظمة بكل حزم و تفعيل المواد الزجرية في التشريع الغابوي و القانون الجنائي، و ذلك بتعزيز الحراسة بالمناطق الحساسة و تشديد المراقبة على مستوى المحاور التي يستعملها المخالفون من طرق و مسالك و معاينة الجرائم الغابوية و تحرير المحاضر مع حجز الآلات و العربات و السيارات التي تستعمل في المخالفات، علاوة على تحريك الدعوى العمومية و متابعة المخالفين أمام المحاكم و مباشرة إجراءات التبليغ و التنفيذ للمقررات القضائية الصادرة لفائدة الإدارة، مؤكداً كذلك على دور جمعيات المجتمع المدني و مختلف وسائل الإعلام و تعزيز التواصل مع الساكنة للعمل على تأسيس وعي جديد مستند على ثقافة جديدة تعيد الإعتبار للأهمية البيئية، الطبيعية و الإقتصادية و الإجتماعية للغابة بتنسيق مع كافة المعنيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق