
– حميد رزقي
في سياق عالمي مطبوع بتسارع التحولات الجيوسياسية وتزايد تأثير الخطاب الإعلامي في صياغة السياسات الدولية، احتضنت مدينة بني ملال مؤخرا، فعاليات المؤتمر الدولي الرابع حول “الإعلام، الخطاب والعلاقات الدولية”، الذي نظمه فريق البحث في تحليل الخطاب التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السلطان مولاي سليمان.
وجرى تنظيم هذا الموعد العلمي بتنسيق من الدكتور مصطفى زنزون، أستاذ التعليم العالي بالكلية ذاتها، وبشراكات مؤسساتية جمعت كلية الاقتصاد والتدبير، ومؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، والمجلس الجماعي لبني ملال، إضافة إلى المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير والمدرسة العليا للأساتذة، إلى جانب مساهمات أكاديمية وإعلامية من هيئات حكومية وغير حكومية، وطنية ودولية.
تميزت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، بحضور رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان، وعميد كلية الآداب، إلى جانب شخصيات بارزة في المجال الأكاديمي والتدبيري، من ضمنهم رؤساء ومديرو المؤسسات الجامعية المشاركة، فضلاً عن ممثلين عن الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، والسلطات وجمهور واسع من الباحثين والإعلاميين وطلبة الدكتوراه.
شهد المؤتمر مشاركة أكاديميين وباحثين من دول عدة، بينها المغرب، الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، تركيا، أرمينيا وموريتانيا، ما أضفى على الجلسات طابعاً دولياً يؤكد البعد الكوني لقضايا الإعلام والخطاب السياسي. كما جسدت هذه الدورة انخراط المغرب النشيط في النقاشات الدولية حول الإعلام والدبلوماسية، مستثمراً في دوره كجسر حضاري بين الشرق والغرب.
امتدت أشغال المؤتمر على مدى ثلاثة أيام، توزعت خلالها الجلسات العلمية حول محاور دقيقة، أبرزها “دور الإعلام في تعزيز المفاهيم الدولية في عصر العولمة الرقمية”، حيث تمت مناقشة تداعيات التحول الرقمي على الخطاب الإعلامي، وسُلط الضوء على إشكالية الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية.
كما شهدت الجلسات تحليلات رصينة لتقاطع الخطاب الإعلامي مع القرار السياسي، أبرزها مداخلة بعنوان “تأثير لغة الإعلام على القرارات السياسية الدولية”، التي استعرضت نماذج من كيفيات تأثير المعجم الإعلامي على توجهات الفاعلين الدوليين.
في السياق نفسه، تطرق المشاركون إلى قضايا الشعوبية والخطاب المتطرف في الإعلام الرقمي، وما يطرحه من رهانات أخلاقية وقانونية، إلى جانب دراسة تجارب دولية في مجال الدبلوماسية الثقافية، من بينها تجربة المغرب التي عُرضت في ورقة بحثية تحت عنوان “الدبلوماسية الثقافية المغربية: النموذج الجديد“.
أسفرت النقاشات عن جملة من التوصيات العلمية، من أبرزها الدعوة إلى تعزيز الشراكات البحثية الدولية في مجال تحليل الخطاب الإعلامي، واعتماد مقاربات متعددة التخصصات تربط بين اللسانيات والسياسات العامة والقانون الدولي. كما شدد المشاركون على ضرورة بلورة آليات أخلاقية وتشريعية أكثر نجاعة لمواجهة تحديات الإعلام الرقمي، مع التأكيد على الدبلوماسية الثقافية كمدخل حيوي لتعزيز الحوار بين الشعوب.
في ختام هذه التظاهرة العلمية، أكد المنظمون والمشاركون أن المؤتمر شكل إضافة نوعية في مجال الدراسات الإعلامية، ليس فقط على المستوى الوطني، بل ضمن الحراك الأكاديمي العالمي. واعتُبر أن اختيار بني ملال لاحتضان هذا الحدث يعكس تحول المدن الجامعية المغربية إلى فضاءات حية للنقاش العمومي والمعرفة المنتجة، وسط تطلعات لتنظيم دورة خامسة بمضامين أكثر عمقاً وانفتاحاً.