الرئيسية

إفريقيا و المغرب.. رؤية جديدة للتكامل الإقتصادي و التبادل التجاري

هومبريسع ورديني 

عرفت العلاقات التجارية بين المغرب و عمقه الإفريقي تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث بذلت المملكة جهوداً كبيرة لتعزيز المبادلات التجارية من خلال توقيع إتفاقيات متعددة و إطلاق مشاريع لوجستية واعدة. 

ومع ذلك، ما زالت هذه المبادلات تواجه تحديات تعوق نموها و تحوّلها إلى مستويات تتماشى مع طموحات المغرب و شركائه الأفارقة.

التحديات اللوجستية

يرى خبراء العلاقات التجارية أن التحدي الرئيسي الذي يواجه تعزيز التجارة بين المغرب و إفريقيا يكمن في الجانب اللوجستي. 

تعتمد التجارة بين الجانبين على بنية تحتية للنقل الجوي و البحري تعاني من عدة مشاكل، من بينها ضعف الأسطول البحري الوطني و إرتفاع تكلفة النقل الجوي. 

نتيجةً لذلك، يلجأ العديد من المصدرين المغاربة إلى النقل البري، رغم تكلفته المرتفعة مقارنةً بوسائل النقل الأخرى.

الهيمنة الأوروبية على المبادلات التجارية

تظل أوروبا الشريك التجاري الأول للمغرب، حيث تستحوذ على 63.2% من إجمالي المبادلات التجارية. 

ففي عام 2023، بلغت قيمة المبادلات التجارية مع أوروبا 724.8 مليار درهم، بزيادة قدرها 5.7% مقارنة بعام 2022. 

في المقابل، شهدت المبادلات التجارية مع الدول الإفريقية تراجعاً ملحوظاً، إذ انخفضت من 64.4 مليار درهم في 2022 إلى 52.7 مليار درهم في 2023، مسجلةً إنخفاضاً بنسبة 18%.

محدودية الصادرات المغربية إلى إفريقيا

على الرغم من التقديرات التي تشير إلى وجود إمكانات غير مستغلة لتنمية الصادرات المغربية بقيمة 12 مليار درهم، تظل نسبة هذه الصادرات إلى إفريقيا محدودة، حيث تمثل 7.6% فقط من إجمالي الصادرات.

يعود ذلك جزئياً إلى ضعف البنية التحتية اللوجستية، ما يؤدي إلى إرتفاع تكاليف السلع المغربية بنسبة تتراوح بين 35% و 55%، مما يقلل من قدرتها على المنافسة أمام المنتجات الدولية.

جهود المغرب لتحسين البنية التحتية

بادرت الحكومة المغربية بتنفيذ مشاريع طموحة لتحسين البنية التحتية و ربط المغرب بعمقه الإفريقي.

شملت هذه المشاريع إطلاق خطوط بحرية جديدة، منها الخط البحري بين ميناء أكادير و موانئ غرب إفريقيا، مع خطط مستقبلية لربط ميناء الداخلة بالعمق الإفريقي. 

من المتوقع أن يسهم هذا المشروع في خفض تكاليف النقل و تعزيز تنافسية المنتجات المغربية، إضافة إلى دعم فرص التبادل التجاري بين المغرب و الدول الإفريقية.

المغرب كمركز لوجستي للدول الإفريقية

أوضح المحلل الاقتصادي بدر زاهر الأزرق أن المغرب يسعى ليصبح مركزاً لوجستياً رئيسياً للدول الإفريقية الراغبة في الوصول إلى الأسواق الأوروبية.

من المتوقع أن يلعب ميناء الداخلة دوراً استراتيجياً في هذا التوجه، حيث سيتم نقل المنتجات الإفريقية إلى أوروبا عبر شبكة متكاملة من السكك الحديدية و الطرق.

مشاريع مستقبلية لتعزيز العلاقات التجارية

تشمل المشاريع الطموحة التي تعزز هذا التوجه ربط المغرب بموريتانيا عبر الطرق البرية، و توسيع شبكة الموانئ الإفريقية التي يديرها المغرب. 

وقد حصلت شركة مرسى ماروك على حقوق تشغيل أرصفة في موانئ بنين و جيبوتي، مما يعكس إستراتيجية المغرب لتعزيز وجوده في الأسواق الإفريقية.

التطلعات المستقبلية

يرى المحللون أن السنوات الخمس المقبلة ستكون حاسمة في تطوير المبادلات التجارية بين المغرب و إفريقيا.

مع التوجه نحو إنشاء خطوط تجارية مباشرة مع إفريقيا الوسطى وا لشرقية، يتوقع أن تشهد المبادلات التجارية قفزة نوعية تسهم في تعزيز التكامل الإقتصادي داخل القارة.

تعزيز التعاون مع غرب إفريقيا

جرى مؤخراً توقيع بروتوكول اتفاق لإطلاق الخط البحري أكادير-دكار، بهدف تقليص تكاليف النقل و زيادة كفاءة نقل البضائع و الشاحنات.

يعد هذا المشروع ركيزة أساسية لتعزيز التعاون الإقتصادي بين المغرب و دول غرب إفريقيا، و دعم التكامل القاري في مجالات التجارة و النقل.

فرص واعدة رغم التحديات

رغم التحديات اللوجستية و الهيمنة الأوروبية على المبادلات التجارية، يمتلك المغرب فرصاً واعدة لتعزيز حضوره في السوق الإفريقية.

من خلال تحسين البنية التحتية و توسيع شبكات النقل البحري و البري، يمكن للمغرب تحقيق طفرة نوعية في علاقاته التجارية مع القارة، مما سيعزز دوره كمركز إقتصادي إقليمي محوري.

تعزيز العلاقات الثقافية و التعليمية

إلى جانب الجهود التجارية، يسعى المغرب إلى تعزيز العلاقات الثقافية والتعليمية مع الدول الإفريقية.

من خلال تبادل الخبرات و البرامج التعليمية، يمكن للمغرب أن يسهم في تنمية الموارد البشرية في القارة و تعزيز الروابط الثقافية.

تجسد هذه الجهود رؤية شاملة لتعميق التعاون و التكامل مع دول الجوار الإفريقي.

دعم ريادة الأعمال و الإستثمارات 

وفي إطار تعزيز العلاقات الإقتصادية، يسعى المغرب إلى دعم ريادة الأعمال و الإستثمارات المتبادلة. 

من خلال إنشاء مناطق حرة وتقديم تسهيلات للمستثمرين، يمكن تعزيز الإبتكار و النمو الإقتصادي.

هذه المبادرات تسهم في خلق فرص عمل و تحقيق التنمية المستدامة في كلا الجانبين.

الرؤية الملكية للعلاقات الإفريقية

تعكس هذه الجهود رؤية الملك محمد السادس للعلاقات مع إفريقيا، حيث أكد في مناسبات عديدة على أهمية تعزيز التعاون و التضامن بين الدول الإفريقية. 

تعكس هذه الرؤية التزام المغرب بالعمل المشترك لتحقيق التنمية و الإزدهار في القارة السمراء.

الدور الإستراتيجي للمغرب

بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي، يمكن للمغرب أن يلعب دوراً محورياً في تعزيز العلاقات بين إفريقيا و أوروبا، و بناء جسور التعاون التجاري و الإقتصادي بين القارتين. 

من خلال الإستفادة من هذه الفرص، يمكن للمغرب أن يعزز مكانته كقوة إقتصادية إقليمية و يحقق إزدهاراً مشتركاً مع شركائه الأفارقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق