الرئيسية

صقري جيلاني… رجل يكتب تاريخ الفقيه بن صالح بمداد الالتزام والرياضة والنضال

حميد رزقي

في مدينة الفقيه بن صالح، يخط صقري جيلاني فصولاً استثنائية من قصة رجل جمع بين شغف الرياضة، ووهج النضال، وروح العمل الجمعوي. هو ليس مجرد اسم، بل علامة فارقة في ذاكرة المدينة، وصوت للمهمشين، وصانع آمال أجيال امتدت من ملاعب الحواري إلى مدرجات الجامعات.

 

في بداية الثمانينيات، يوم كانت كرة القدم النسائية فكرة غريبة، وربما مرفوضة في مجتمع محافظ، قرر صقري جيلاني أن يكسر الصمت. أسس أول فريق نسائي لكرة القدم في الفقيه بن صالح، مغامرة جريئة سبقت زمنها، وأكدت أن للمرأة مكاناً في الملاعب كما في باقي مجالات الحياة. لم يكن يبحث عن التصفيق، بل عن إزاحة حواجز العادات، ومنح الفتيات حق الحلم واللعب.

 

لم تتوقف بصمة جيلاني عند فريق النساء. كان من مؤسسي مدرسة الفقيه بن صالح لكرة القدم، ثم أسس مع أصدقائه مدرسة الاتحاد الرياضي التي تحتضن اليوم أكثر من 400 طفل، بلا دعم يذكر، سوى مساهمة خجولة من الجماعة المحلية هذه السنة. تحدٍ يؤكد كيف تصنع الإرادة ما تعجز عنه الميزانيات، وكيف تُبنى الأندية العريقة على عرق الشغوفين.

 

بعيداً عن الأضواء، داخل أسوار ثانوية ابن خلدون، أسس جيلاني مدرسة كروية حملت أحلام التلاميذ، وصنعت إنجازات مذهلة. تحت قيادته، فازت المدرسة بأربع بطولات وطنية، بينها بطولة الجزيرة في قطر، لتحمل اسم الفقيه بن صالح إلى مصاف المدن المشعة رياضياً، وتبرهن أن الرياضة المدرسية يمكن أن تكون جسراً نحو العالمية.

 

ولأن روح التحدي لا تعرف التقاعد، قاد فريق السوسيو رياضي للقرب للفوز ببطولة المغرب للأحياء، تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة، بينما كان يشغل منصب المدير التقني، في إنجاز جديد رسّخ مكانة المدينة في خارطة الكرة الوطنية.

 

لم يكتف جيلاني بالملاعب، بل حمل هم المدرسة والأسرة. ترأس جمعية آباء وأمهات وأبناء ثانوية ابن خلدون لأربع مرات متتالية، بشهادة أولياء الأمور على “الفعل الجمعوي الحقيقي”. لم يكن رئيساً للصور، بل متابعاً دؤوباً لأحوال التلاميذ، داعماً للمتفوقين منهم، يمد يد المساعدة من ماله الخاص للطلبة الفقراء في الجامعات والمعاهد.

 

هذا الشغف بالدفاع عن التعليم دفعه إلى تأسيس الفيدرالية الإقليمية لجمعيات الآباء بالمغرب، بتمويل ذاتي، لتكون صوتاً قوياً للتلاميذ داخل المؤسسات التعليمية، وتساهم في إنجاح أوراش تنموية متعددة. كما شارك في تأسيس الفيدرالية الجهوية لجهة بني ملال خنيفرة، حيث كان نائباً للدكتور مازي، وشريكاً في تنظيم أنشطة نوعية على امتداد الجهة.

 

وفي مشهد وطني، صعد صقري جيلاني إلى مستوى عضوية المكتب الوطني لفدرالية جمعيات الآباء بالمغرب، من موقعه هذا نظم أنشطة بربوع المملكة، وكان أول نشاط يحمل توقيعه في مدينته الأم، الفقيه بن صالح.

 

وراء هذه النجاحات، يقف رجل مؤمن بالمبدأ، تخرج من رحم الاتحاد الاشتراكي والنقابة الوطنية للتعليم، تعلم فيهما معاني الالتزام، والتضحية، والثبات على المواقف، كما يشهد بذلك الأيقونة الميلودي الرايف، أحد رموز النضال الوطني.

 

جيلاني ليس مجرد فاعل محلي، بل نموذج لرجل لم ينس أصله ولا قضيته، ظل وفياً لمدينته، لأطفالها، لآبائها وأمهاتها، للنضال من أجل تعليم أفضل، ورياضة تحترم الطموح، وجمعيات تصون الكرامة.

 

في زمن قلّ وعزّ فيه المخلصون، يواصل صقري جيلاني طريقه، بلا ضجيج، بلا تصفيق. رجل يشبه الأشجار: كلما امتدت جذورها في الأرض، كلما علت أغصانها نحو السماء. إنه صانع أمل، ومهندس حلم، وحارس وفاء… رجل يكتب تاريخ الفقيه بن صالح، لا بحبر الكلمات، بل بأثر الأفعال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق