
هومبريس – م أبراغ
يعيش الساحل الإفريقي على وقع تصاعد غير مسبوق للأنشطة الإرهابية، حيث باتت المنطقة تمثل أكبر مركز عالمي للحركات المسلحة، وفقاً لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي الصادر في مارس 2024 عن معهد الإقتصاد و السلام.
لقد أصبحت منطقة الساحل مسرحاً للصراعات المسلحة المتفاقمة، حيث تجتمع عوامل إقتصادية و تنموية و أمنية هشة، جعلت منها بيئة خصبة لتنامي الإرهاب.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : ما العوامل التي جعلت هذه المنطقة عرضة لهذا الخطر المتزايد؟ و من المستفيد الحقيقي من إستمرار هذه الفوضى؟
الساحل الأفريقي على خريطة الإرهاب الدولي
يضع مؤشر الإرهاب العالمي ست دول أفريقية ضمن أكثر البلدان تضرراً بالإرهاب عالمياً، و هي بوركينا فاسو، مالي، النيجر، نيجيريا، الصومال، و الكاميرون.
اللافت في التقرير أن بوركينا فاسو احتلت المركز الأول عالمياً من حيث عدد الوفيات، حيث سجلت أكثر من 1500 قتيل خلال 2024، أي بزيادة ملحوظة عن العام السابق.
هذه الأرقام المفزعة تعكس عمق الأزمة التي تعيشها المنطقة، خاصة مع إنتشار جماعات مسلحة عابرة للحدود مثل تنظيم الدولة الإسلامية، و جماعة نصرة الإسلام و المسلمين التي ظهرت في مالي، و حركة الشباب في الصومال.
وفي مالي، ورغم تراجع عدد الضحايا مقارنة بعام 2023، فإن الهجمات الإرهابية وصلت لأول مرة إلى العاصمة باماكو منذ 2016، حيث شهدت المدينة هجوماً مدمراً استهدف مدرسة و قاعدة جوية، مخلفاً نحو 100 قتيل.
كما شهدت النيجر إرتفاعاً هائلاّ في وتيرة العمليات الإرهابية، حيث قُتل أكثر من 900 شخص في 100 هجوم خلال 2024، مقارنة بـ500 قتيل فقط في 2023، مما يشير إلى تصاعد خطير للأنشطة الإرهابية.
أما نيجيريا و الصومال و الكاميرون فقد عرفت ديناميكيات متباينة، فبينما ارتفع عدد الوفيات في نيجيريا بنسبة 6%، سجلت الصومال و الكاميرون تراجعاً في عدد الهجمات، حيث استطاعت السلطات الصومالية تحقيق مكاسب أمنية واضحة بفضل عمليات عسكرية واسعة ضد حركة الشباب.
أسباب تصاعد الإرهاب في الساحل الإفريقي
يرجع إنتشار الإرهاب في الساحل الأفريقي إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها :
– الفقر و الهشاشة الإقتصادية : تعتبر منطقة الساحل من بين أفقر المناطق في العالم، حيث يعيش ملايين السكان في ظروف إقتصادية سيئة، مما يخلق أرضية خصبة لتجنيد الشباب في الجماعات المسلحة، الذين يبحثون عن موارد مالية أو إنتماء سياسي أو ديني بديل للأنظمة القائمة.
– الإنقسام القبلي و العرقي : تعدد الهويات و الإنقسامات العرقية داخل الدول الساحلية أدى إلى تفشي النزاعات الداخلية، مما عزز من نشاط الجماعات المسلحة التي تستغل الخلافات العرقية لإستقطاب المقاتلين والتوسع في نفوذها.
– ضعف التعليم و إنتشاره المحدود : سجلت التقارير أن الدول المتضررة من الإرهاب تعاني نسباً منخفضة جدًا في التعليم، مما يساهم في خلق حلقة مفرغة من البطالة، الفقر، و التطرف، حيث تستهدف الجماعات المسلحة المدارس و المدرسين لمنع الشباب من تلقي التعليم، و تعزيز ثقافة الجهل التي تساعدهم على تجنيد العناصر بسهولة.
– الإنقلابات العسكرية : عاشت دول الساحل موجة إنقلابات عسكرية متتالية، مما أدى إلى حالة من عدم الإستقرار السياسي، و هو ما استغلته الجماعات الإرهابية لزيادة نشاطها، خاصة في ظل تركيز السلطات العسكرية على تثبيت حكمها بدلاً من مواجهة الخطر الإرهابي بفاعلية.
الجماعات المسلحة الناشطة في الساحل الأفريقي
تضم المنطقة شبكة معقدة من الجماعات المسلحة، تتنوع بين تنظيمات عالمية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، و تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، و جماعات محلية مثل بوكو حرام، نصرة الإسلام و المسلمين، و حركة الشباب الصومالية.
– تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى : ينشط في مالي، النيجر، و بوركينا فاسو، و هو مسؤول عن عدة هجمات واسعة النطاق في المنطقة، و يستفيد من الدعم اللوجستي القادم من خارج القارة.
– بوكو حرام : انطلقت في نيجيريا عام 2002، وشهدت إنقسامات داخلية حيث انضم جزء منها لتنظيم الدولة الإسلامية، بينما بقي جزء آخر محافظاً على نهجها الأصلي.
– جماعة نصرة الإسلام و المسلمين : تأسست عام 2017 عبر دمج أربع جماعات مسلحة، و أصبحت القوة الأساسية في شمال مالي، حيث تنفذ عمليات إرهابية واسعة تهدف إلى توسيع نفوذها في الساحل الإفريقي.
– حركة الشباب الصومالية : تمتلك نفوذاً كبيراً في الصومال، و هي واحدة من أكثر الجماعات الإرهابية دموية في القارة، لكن عمليات الجيش الصومالي نجحت في تقليص نفوذها خلال العام الماضي.
من المستفيد من الإرهاب في الساحل؟
رغم أن الإرهاب يمثل خطراً كبيراً على دول المنطقة، إلا أنه يخدم مصالح أطراف دولية متعددة، حيث أدى الوضع المتدهور إلى سباق محموم بين القوى الكبرى على النفوذ العسكري و الإقتصادي.
– فرنسا : كانت حتى وقت قريب الفاعل الرئيسي في الساحل عبر نشر قوات عسكرية و قواعد أمنية، لكنها واجهت رفضاً متزايداً من الشعوب المحلية، مما أدى إلى تراجع دورها لصالح قوى أخرى.
– روسيا : برزت كحليف جديد لدول الساحل، حيث أبرمت صفقات أسلحة تجاوزت 4.5 مليار دولار، كما نشرت قواتها في النيجر، و أقامت مالي شراكة عسكرية مع شركة فاغنر الروسية التي نفذت عمليات أمنية موسعة.
– الصين : رغم تراجع موقعها كمصدر رئيسي للأسلحة، لا تزال تلعب دوراً رئيسياً في التجارة و التمويلات العسكرية، خاصة في مجال الدعم اللوجستي.
– تركيا : دخلت بقوة إلى السوق العسكري الإفريقي عبر بيع طائرات بيرقدار المسيرة، و التي تستخدمها عدة دول أفريقية في الحرب ضد الجماعات الإرهابية.
يبقى الساحل الأفريقي نقطة ملتهبة في المشهد الدولي، حيث تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى مع الأزمات المحلية، مما يجعل أي محاولة لإيجاد حلول جذرية أمراً معقداً و متشابكاً.
وبينما تسعى دول المنطقة إلى تعزيز قدراتها العسكرية و الأمنية، فإن غياب التنمية الإقتصادية و التعليم و العدالة الإجتماعية سيظل التحدي الأكبر أمام كبح خطر الإرهاب، ما لم يتم إتباع سياسات أكثر شمولية ترتكز على تحقيق الإستقرار و التنمية المستدامة كأولوية قصوى.