
هومبريس – ع ورديني
شهد قصر الأمم بجنيف، أمس الإثنين، إنطلاق فعاليات الدورة الـ78 لجمعية الصحة العالمية، بحضور وزراء الصحة و ممثلي الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، و من بينهم وزير الصحة و الحماية الإجتماعية المغربي أمين التهراوي، في لقاء يجمع نخبة من صناع القرار لمناقشة القضايا الصحية الأكثر إلحاحاً على المستوى الدولي، حيث تتجه الأنظار إلى هذه الدورة لما تحمله من قرارات مصيرية تؤثر على مستقبل الصحة العالمية.
تنعقد هذه الدورة تحت شعار “عالم واحد من أجل الصحة”، في ظل تحديات صحية متزايدة، حيث يتصدر جدول أعمالها مشروع اتفاق دولي حول الوقاية من الجوائح و الإستعداد لها، و هو إتفاق تاريخي يُرتقب أن يشكل تحولاً جوهرياً في التعاون الصحي العالمي بعد أزمة كوفيد-19، مما يعكس التوجه نحو تعزيز الإستجابة الجماعية للأوبئة المستقبلية، خاصة في ظل المخاوف المتزايدة من ظهور أمراض جديدة تهدد الصحة العامة.
بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات، نجحت هيئة التفاوض الحكومية الدولية في صياغة هذا الإتفاق، ليصبح ثاني إتفاق يُعرض للمصادقة بموجب المادة 19 من دستور المنظمة، التي تمنح الدول الأعضاء صلاحية إبرام إتفاقيات ملزمة في مجال الصحة العالمية، مما يعكس التزامًا دوليًا بتعزيز الأمن الصحي المشترك، و يؤكد الحاجة إلى تعاون دولي أكثر فاعلية لمواجهة التحديات الصحية المتنامية.
كما يناقش المشاركون مشروع الميزانية البرمجية للفترة 2026-2027 ضمن البرنامج العام الرابع عشر لمنظمة الصحة العالمية، إلى جانب إستراتيجية الصحة العالمية للفترة 2025-2028، مع التركيز على أولويات تشمل أمراض الرئة و الكلى، السرطانات، الصحة البيئية، مقاومة مضادات الميكروبات، و الطب التقليدي، في خطوة تهدف إلى تحسين جودة الرعاية الصحية عالمياً، و تعزيز الإبتكار في مجال الطب لمواكبة التطورات العلمية الحديثة.
ومن بين القضايا المطروحة أيضاً، مسألة التمويل المستدام للمنظمة، حيث من المتوقع أن توافق الدول الأعضاء على زيادة بنسبة 20% في رسوم العضوية، إضافة إلى إعادة هيكلة الميزانية لتعزيز الكفاءة و توجيه الموارد نحو التحديات الصحية الأكثر إلحاحاً، مما يعكس الحاجة إلى استدامة الموارد المالية لضمان استمرارية البرامج الصحية الحيوية، خاصة في ظل الأزمات الإقتصادية التي تؤثر على ميزانيات الدول.
وفي إطار التكيف مع الإمكانيات المالية المتاحة، تم تقليص الميزانية المقترحة من 5.3 مليار دولار إلى 4.267 مليار دولار، بهدف تحقيق توازن بين الطموحات الصحية و الموارد المتاحة، مما يعكس توجهًا نحو إدارة أكثر كفاءة للميزانية الصحية العالمية، مع التركيز على الأولويات الأكثر تأثيراً في تحسين الصحة العامة.
جدول أعمال الدورة يتضمن أكثر من 75 بنداً، من المتوقع أن تفضي إلى اعتماد أكثر من 40 قراراً تنفيذياً، تمهيداً لتنفيذها خلال العامين المقبلين، كما يشمل البرنامج تنظيم 45 فعالية رسمية، من بينها مائدة وزارية مستديرة حول البيانات و التمويل، إضافة إلى إجتماعات رفيعة المستوى مع المانحين، مما يعكس أهمية التعاون الدولي في تعزيز الصحة العامة، و يؤكد الحاجة إلى إستراتيجيات مبتكرة لضمان إستدامة التمويل الصحي.
وفي سياق مشاركته، حضر الوزير المغربي أمين التهراوي عدداً من اللقاءات الموازية، من أبرزها اجتماع وزاري حول تمويل الصحة في إفريقيا، والدورة الـ27 للقاءات الفرنكوفونية للصحة، التي ركزت على الموارد البشرية تحت شعار “لا صحة بدون مواهب”، مما يؤكد الدور المحوري للكفاءات الصحية في مواجهة التحديات العالمية، و يدعو إلى تعزيز برامج التدريب والتأهيل لضمان جاهزية العاملين في القطاع الصحي لمواجهة الأزمات المستقبلية.
إضافة إلى ذلك، ناقشت الجمعية العالمية للصحة سبل تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مجال البحث العلمي و التطوير الطبي، حيث تم اقتراح إنشاء منصة دولية لتبادل البيانات الصحية و الإبتكارات الطبية، بهدف تحسين الإستجابة للأزمات الصحية و تعزيز القدرات البحثية في مواجهة الأمراض الناشئة، مما يعكس أهمية الإستثمار في البحث العلمي لضمان مستقبل صحي أكثر إستقراراً.