
هومبريس – ج السماوي
في لحظة دبلوماسية لافتة بمدينة إشبيلية الإسبانية، عبّر وزراء خارجية دول تحالف الساحل (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) عن إشادتهم العميقة و المتجددة بالجهود التي يبذلها المغرب، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، من أجل دعم التنمية الشاملة و المستدامة في القارة الإفريقية، و خاصة في منطقة الساحل التي تواجه تحديات أمنية و إقتصادية متشابكة و معقدة.
جاءت هذه التصريحات على هامش مشاركتهم في المؤتمر الدولي الرابع للأمم المتحدة حول تمويل التنمية، الذي يُعد منصة عالمية لإعادة رسم ملامح النظام المالي الدولي، و تعزيز العدالة الإقتصادية بين الشمال و الجنوب، و تعبئة الموارد الضرورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030.
وقد مثّل رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، جلالة الملك في هذا الحدث الدولي البارز، مؤكداً التزام المملكة الراسخ بدعم التنمية في إفريقيا، و مشدّداً على ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي ليصبح أكثر إنصافاً و فعالية في خدمة الدول النامية.
الوزراء الثلاثة نوهوا بالمبادرات الملكية التي تستهدف تعزيز التعاون جنوب-جنوب، وعلى رأسها المشروع المغربي الطموح لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي، معتبرين إياه “فرصة استراتيجية نادرة” لفك العزلة الجغرافية عن دول غير ساحلية مثل مالي، النيجر، بوركينا فاسو و تشاد، و تمكينها من الإندماج الفعلي في السوق الدولية.
وزير خارجية النيجر، بكاري ياوو سانغاري، وصف المبادرة بأنها “تحول نوعي” في مسار التعاون الإفريقي، مشيراً إلى أن المغرب كان من أوائل الدول التي دعمت هذا التوجه، ليس فقط عبر البنية التحتية، بل من خلال تمويل الإستثمارات، و تنمية الكفاءات، و تعزيز قابلية تشغيل الشباب في القارة، و هو ما يعكس رؤية إستراتيجية بعيدة المدى.
من جانبه، أكد وزير خارجية بوركينا فاسو، كراموكو جان ماري تراوري، أن المغرب يُعد فاعلاً محورياً في تعزيز التكامل الإفريقي، مشيراً إلى أن أولى مشاريع التعاون جنوب-جنوب في المنطقة كانت بقيادة و تمويل مغربي.
كما شدد على أن المبادرة الملكية تتماشى تماماً مع إحتياجات دول الساحل، وتفتح أمامها آفاقاً إقتصادية غير مسبوقة، خصوصاً في مجالات النقل، اللوجستيك، و الطاقة.
أما وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، فقد ركّز على البعد الأمني للمبادرة، معتبراً أن التنمية لا يمكن أن تتحقق دون استقرار سياسي و أمني.
وقال : “لا تنمية دون أمن، ولا أمن دون تعاون إقليمي فعّال”، مشدداً على ضرورة مكافحة الإرهاب و مصادر تمويله كشرط أساسي لتحقيق التحول الإقتصادي و الإجتماعي في المنطقة.
من الناحية الجيوسياسية، يرى مراقبون أن المبادرة المغربية لربط الساحل بالمحيط الأطلسي ليست مجرد مشروع لوجستي، بل رؤية إستراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل موازين النفوذ في غرب إفريقيا، في ظل تحولات إقليمية متسارعة، و تراجع أدوار قوى تقليدية في المنطقة، مما يمنح المغرب موقعاً متقدماً في معادلة التأثير الإقليمي.
أما إقتصادياً، فإن فتح منفذ بحري لدول الساحل من خلال المغرب سيُحدث نقلة نوعية في سلاسل التوريد و التصدير، و يُقلل من التكاليف اللوجستية، و يُعزز من جاذبية المنطقة للإستثمارات الدولية، خاصة في مجالات الطاقة و المعادن و البنية التحتية، مما يساهم في خلق فرص عمل و تحقيق نمو اقتصادي أكثر شمولاً.
ويُعد المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، الذي تتواصل أشغاله إلى غاية 3 يوليوز، فرصة تاريخية لإعادة هيكلة النظام المالي العالمي، بما يضمن تمثيلاً أفضل لدول الجنوب، و يُعزز من قدرة المؤسسات المالية على دعم المشاريع ذات الأثر الإجتماعي و الإقتصادي العميق، في ظل فجوة تمويلية عالمية تُقدّر بـ4 تريليونات دولار سنوياً.