الرئيسية

الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنسحب.. و البرنامج النـ.ـووي الإيراني ينزلق تدريجياً إلى منطقة الظل الكامل

هومبريسي فيلال 

في تطور دراماتيكي يعكس تصاعد التوتر بين إيران و المجتمع الدولي، قررت الوكالة الدولية للطاقة الذرية سحب مفتشيها من إيران، بعد تصاعد المخاوف الأمنية و تهديدات مباشرة طالت مسؤوليها، ما يُنذر بانهيار ما تبقى من آليات الرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني.

هذه الخطوة المفاجئة جاءت بعد أن علّقت طهران رسميًا تعاونها مع الهيئة الدولية، في أعقاب تصويت برلماني وقّع عليه الرئيس الإيراني، ما أدى إلى قطع كامل لقنوات التفتيش و المراقبة التي كانت قائمة منذ سنوات، و شكّلت إحدى ركائز الإتفاقات النووية السابقة.

المفتشون، الذين كانوا يقيمون في طهران دون السماح لهم بزيارة المواقع النووية منذ الهجوم الإسرائيلي في 13 يونيو، تم إخراجهم برًا من البلاد، رغم عودة الرحلات الجوية إلى طبيعتها. 

وقد أشارت تقارير إلى أنهم نُقلوا لاحقاً إلى موقع تابع للأمم المتحدة، بعد أن أصبح وجودهم في العاصمة محفوفاً بالمخاطر و غير مضمون أمنياً.

هذا الإنسحاب لا يُعد مجرد إجراء احترازي، بل ضربة قاسية للرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني، الذي أصبح الآن خارج نطاق التفتيش الميداني المباشر.

ورغم أن الوكالة لا تزال تملك إمكانية الوصول إلى صور الأقمار الصناعية، فإن غياب التحقق الميداني يفتح الباب أمام أنشطة نووية غير معلنة، و يُضعف قدرة المجتمع الدولي على تقييم مدى التزام طهران بمعاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية (NPT).

في هذا السياق، يُنظر إلى قرار إيران بتعليق التعاون كجزء من إستراتيجية تصعيدية محسوبة تهدف إلى إعادة رسم قواعد اللعبة النووية، خاصة بعد الضربات الإسرائيلية و الأمريكية التي استهدفت منشآت حيوية داخل البلاد. 

وقد رافق هذا التصعيد خطاب عدائي متزايد تجاه الوكالة، شمل تهديدات علنية ضد مديرها العام، و اتهامات بتواطؤ مع الهجمات الغربية.

الفراغ الرقابي الذي خلّفه انسحاب المفتشين يُنذر بتداعيات خطيرة، ليس فقط على مستوى البرنامج النووي الإيراني، بل أيضاً على مصداقية النظام الدولي للرقابة النووية، الذي بات مهدداً بفقدان أدواته الأساسية. 

فإيران، بموجب التزاماتها الدولية، ملزمة بقبول عمليات التفتيش، وأي رفض مستمر قد يدفع مجلس محافظي الوكالة إلى رفع الملف إلى مجلس الأمن الدولي، ما يُمهّد لتصعيد دبلوماسي و ربما عسكري جديد.

في ظل هذا المشهد المتأزم، تبقى وكالات الإستخبارات الغربية و الإسرائيلية هي المصدر الوحيد للمراقبة، ما يُحوّل الملف النووي الإيراني من مسار دبلوماسي إلى ساحة صراع إستخباراتي مفتوح.

ومع غياب الشفافية، تتزايد المخاوف من أن تستغل طهران هذا الفراغ لتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم، أو تطوير قدرات نووية يصعب تتبعها أو احتواؤها.

من جهة أخرى، يُثير هذا الإنسحاب تساؤلات عميقة حول مستقبل معاهدة عدم الإنتشار النووي، ومدى قدرتها على الصمود في وجه الإنسحابات الأحادية و التحديات الجيوسياسية المتصاعدة. 

فحين تُصبح الرقابة الدولية رهينة للتجاذبات السياسية، فإن المنظومة بأكملها تصبح مهددة بالإنهيار التدريجي، ما يستدعي تحركاً دولياً عاجلاً لإعادة ضبط قواعد الإلتزام و الردع.

وفي ظل هذا الانسداد، تبدو خيارات المجتمع الدولي محدودة، بين التصعيد السياسي أو محاولة إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة. 

لكن المؤكد أن غياب أدوات التحقق الميداني سيُعقّد أي مسار تفاوضي، و يُضعف قدرة الأطراف على بناء الثقة أو ضمان الإمتثال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق