
هومبريس – ع ورديني
مع تفاقم التغيرات المناخية وتراجع التساقطات، تواصل وضعية السدود بالمملكة المغربية منحاها التراجعي، وسط مؤشرات مقلقة بشأن حجم المياه المخزنة، رغم تسجيل تحسن طفيف مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.
الواقع المائي الراهن يعكس هشاشة المنظومة الوطنية لتدبير الموارد، ويضع الأمن المائي في صلب التحديات الاستراتيجية التي تواجهها البلاد، خاصة في ظل تزايد الطلب وتقلص الموارد الطبيعية.
وحسب المعطيات الصادرة عن مديرية هندسة المياه بوزارة التجهيز والماء، بلغت نسبة الملء الإجمالية للسدود، إلى حدود يوم السبت، حوالي 37,51% من مجموع الطاقة الاستيعابية، أي ما يعادل 6286,93 ملايين متر مكعب من المياه المخزنة.
ورغم أن هذه النسبة تمثل تحسنًا نسبيًا مقارنة بنفس التاريخ من العام الماضي (30,14%)، إلا أن الفارق لا يعكس تحولًا بنيويًا في مؤشرات التزود بالماء، بل يظل هشًا أمام تقلبات المناخ وتراجع التساقطات.
وتُظهر البيانات أن الطاقة القصوى العادية للسدود المغربية تُقدّر بحوالي 16762,51 مليون متر مكعب، ما يبرز الهوة الكبيرة بين الإمكانات المتاحة والحجم الفعلي المخزن حاليًا.
الفجوة المسجلة تُثير تساؤلات جدية حول قدرة المملكة على تلبية الطلب المتزايد على الماء، خاصة خلال فصلي الصيف والخريف، حيث يرتفع الاستهلاك بشكل حاد في المدن الكبرى والمناطق الفلاحية ذات الاستعمال المكثف للمياه.
أما على مستوى التوزيع الجغرافي، فتختلف وضعية السدود حسب الأحواض المائية التسعة الكبرى، إذ تسجل بعض الأحواض نسب ملء مقلقة، خصوصًا في الجهات الجنوبية والوسطى، مقابل أداء أفضل في بعض مناطق الشمال التي تستفيد من وفرة نسبية في التساقطات.
هذا التفاوت الجهوي يُحتم اعتماد مقاربة تضامنية ومرنة في توزيع الموارد المائية، تأخذ بعين الاعتبار الأولويات الحيوية لكل منطقة، وتضمن الحد الأدنى من الإنصاف المجالي والعدالة البيئية.
ويُعد تدبير حقينات السدود أحد التحديات الكبرى التي تواجهها السياسات المائية بالمملكة المغربية، بفعل التوسع الحضري المتسارع، والطلب الفلاحي المرتفع، وتزايد موجات الحرارة.
الاستجابة لهذه التحديات تقتضي تبني حلول مبتكرة ومستدامة، تشمل تحلية مياه البحر، إعادة استعمال المياه العادمة، وتعميم تقنيات الاقتصاد في الماء، إلى جانب تحديث البنيات التحتية وتعزيز قدرات التخزين والربط بين الأحواض.
وفي هذا السياق، يُصبح الأمن المائي قضية تتجاوز البعد التقني، لتلامس صميم السيادة الوطنية والاستقرار الاجتماعي. فالماء لم يعد مجرد مورد طبيعي، بل أصبح عنصرًا حاسمًا في معادلة التنمية والعدالة المجالية، ما يستدعي تعبئة شاملة للفاعلين العموميين والخواص والمجتمع المدني، من أجل بناء منظومة مائية resilient قادرة على التكيف مع الأزمات المناخية المتكررة.
من جهة أخرى، فإن استمرار المنحى التراجعي، رغم التحسن الظرفي، يُبرز الحاجة إلى إعادة النظر في النموذج المائي الوطني، من خلال تعزيز الحكامة، وتكثيف الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا المائية، وتوسيع نطاق المراقبة الذكية لتدفقات المياه، بما يضمن استدامة الموارد، ويُحصّن الأجيال القادمةمن خطر العطش الهيكلي.