
هومبريس – ج السماوي
في خطوة تعكس تصاعد التوتر الإقليمي في منطقة الساحل، أدانت الحكومة المالية بأشد العبارات ما وصفته بـ”الأعمال الإرهابية التي ترعاها بعض الدول”، في إشارة ضمنية إلى الجزائر، متهمة إياها بمحاولة تقويض جهود تحالف دول الساحل، الذي يحقق تقدمًا ملحوظًا في مجالي الدفاع والتنمية، رغم التحديات الأمنية المتزايدة.
وجاء في بيان رسمي وقّعه وزير الإدارة الترابية واللامركزية والناطق باسم الحكومة، الجنرال عبد الله مايغا، أن قوات الدفاع والأمن المالي ستواصل عملياتها العسكرية وستوسع نطاقها الجغرافي والتكتيكي حتى القضاء التام على الإرهاب داخل البلاد، مشددًا على أن الدولة لن تتهاون في حماية سيادتها ووحدة أراضيها.
وأضاف البيان أن الجيش المالي نجح في التصدي لهجمات متزامنة استهدفت، فجر الثلاثاء (01 يوليوز)، سبع بلدات هي: نيونو، مولودو، سانداري، نيورو الساحل، ديبولي، كوكي، وكايس، وأسفرت المواجهات عن مقتل أكثر من 80 مسلحًا ومصادرة تجهيزات عسكرية متنوعة، من بينها أسلحة خفيفة وذخائر وأجهزة اتصال.
وقد تبنت جبهة تحرير ماسينا هذه الهجمات، مدعية السيطرة على ثلاث ثكنات عسكرية وعدد من المواقع، دون تقديم تفاصيل دقيقة عن خسائرها، في حين أكدت السلطات المالية أن قواتها استعادت السيطرة بسرعة، وألحقت خسائر جسيمة بالمهاجمين، في عملية وُصفت بأنها “نوعية وناجحة”.
وتأتي هذه التطورات في ظل توتر متصاعد بين باماكو والجزائر، حيث تتهم مالي جارتها الشرقية بدعم جماعات مسلحة تسعى إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، وتعطيل مسار التنمية الذي بدأ يحقق نتائج ملموسة في إطار تحالف دول الساحل، الذي يضم مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، ويُعيد رسم ملامح التوازنات الإقليمية بعيدًا عن النفوذ التقليدي.
صراع نفوذ يتجاوز الحدود
يرى مراقبون أن هذا التصعيد لا يقتصر على المواجهات المسلحة، بل يعكس صراعًا جيوسياسيًا متشابكًا على النفوذ في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة بعد انخراط مالي في تحالفات جديدة خارج الإطار التقليدي للنفوذ الفرنسي والجزائري.
ويُنظر إلى هذه التحركات كجزء من إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، حيث تسعى باماكو إلى فرض استقلالية قرارها الأمني والسيادي، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.
وقد زادت حدة التوتر بعد حادثة إسقاط طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي قرب الحدود الجزائرية، والتي اعتبرتها باماكو “عملًا عدائيًا”، بينما بررت الجزائر الخطوة بأنها دفاع مشروع عن سيادتها، ما فاقم مناخ الريبة بين الطرفين.
تحالف الساحل في مفترق طرق
في ظل هذه التحديات المتصاعدة، يجد تحالف دول الساحل نفسه أمام اختبار حقيقي: فإما أن ينجح في فرض معادلة أمنية وتنموية جديدة بعيدًا عن التدخلات الخارجية، أو أن ينزلق إلى دوامة من الصراعات بالوكالة.
ويُجمع محللون على أن نجاح التحالف مرهون بقدرته على تحييد الأطراف المعرقلة، وتعزيز التنسيق العسكري والاستخباراتي بين أعضائه، مع الانفتاح على شراكات استراتيجية جديدة تعزز الاستقرار في المنطقة وتُقلّص الاعتماد على القوى التقليدية.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى تحركات التحالف، مثل تعزيز التعاون الجوي المشترك وتبادل المعلومات الاستخباراتية، كخطوات حاسمة نحو بناء سيادة دفاعية إقليمية مستقلة، قادرة على مواجهة التحديات الأمنية دون وساطة خارجية.