الرئيسية

العقارب القاتلة تفتك في صمت… و الوعي الشعبي الوقائي غائب أمام خطورة العلاجات التقليدية

هومبريسع ورديني 

في تحذير طبي شديد اللهجة، نبّه الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، إلى أن لسعات العقارب لا تزال تمثل خطرًا حقيقيًا ومباشرًا على حياة المواطنين، خاصة في القرى والمناطق النائية التي تفتقر إلى التجهيزات الطبية الأساسية والإسعافات الأولية الضرورية.

وأوضح أن الأطفال والمسنين هم الفئات الأكثر عرضة للمضاعفات القاتلة، نظرًا لهشاشة مناعتهم وضعف قدرتهم على مقاومة السم، ما يجعلهم في حاجة ماسة إلى تدخل طبي سريع وفعّال.

وأشار الدكتور حمضي إلى أن فصل الصيف يُعد موسمًا حرجًا للغاية، إذ تخرج العقارب من جحورها بحثًا عن أماكن باردة، ما يزيد من احتمال تسللها إلى المنازل، خاصة في المناطق التي تعرف ارتفاعًا كبيرًا في درجات الحرارة.

ولفت إلى أن نحو 70% من حالات اللدغ تُسجّل داخل البيوت، وليس في الحقول كما يُعتقد، وهو ما يستدعي اتخاذ احتياطات وقائية صارمة، مثل تنظيف الأرضيات، إغلاق الفتحات، تفقد الأحذية قبل ارتدائها، وعدم ترك الأطفال حفاة، خصوصًا خلال الفترات الحارة من اليوم.

ووفقًا للإحصائيات الرسمية، يسجل المغرب سنويًا ما يقارب 30 ألف حالة لسعة عقرب، معظمها غير خطير، إلا أن بعض الحالات تتطور إلى مضاعفات صحية خطيرة أو تؤدي إلى الوفاة، خاصة عندما يتم التعامل معها بطرق تقليدية خاطئة وغير علمية.

وأكد الدكتور حمضي أن الكي بالنار، أو استخدام أعشاب مثل الحنظل والشيح، أو اللجوء إلى “الرقية”، لا تقتصر على كونها غير فعالة، بل قد تُفاقم الحالة وتُعرض المصاب لمضاعفات خطيرة، قد تصل إلى الوفاة في بعض الحالات.

وشدد المتحدث على أن العلاج الطبي هو السبيل الوحيد لتفادي الخطر، موضحًا أن المصل المضاد لسم العقرب، إذا أُعطي خلال الثلاث ساعات الأولى من الإصابة، يقلل من احتمال الوفاة بنسبة تصل إلى 92%، حسب دراسات منشورة في مجلات علمية مرموقة مثل Toxicon. 

وأضاف أن كل دقيقة تأخير في العلاج تمثل تهديدًا حقيقيًا للحياة، خصوصًا لدى الفئات الهشة كالأطفال والمصابين بأمراض مزمنة.

لكن رغم فعالية العلاج، أقر الدكتور حمضي بصعوبة تطبيق هذا النموذج العلاجي في المناطق القروية، حيث تعاني المراكز الصحية من نقص حاد في التجهيزات والموارد البشرية، ويضطر المصابون إلى استخدام وسائل نقل بدائية أو الانتظار لساعات طويلة قبل الوصول إلى المستشفى، ما يُقلل من فرص النجاة.

وفي هذا السياق، شدد على أن المشكلة لا تكمن فقط في نقص الأدوية أو المعدات، بل أيضًا في غياب التوعية الصحية، إذ يجهل كثير من سكان القرى كيفية التصرف السليم بعد التعرض للسعة، ويفضلون اللجوء إلى العلاجات الشعبية بدل التوجه إلى المراكز الصحية.

وأوضح أن الخطوة الأولى يجب أن تكون تنظيف موضع اللسعة بالكحول أو الماء النظيف، وربط الطرف المصاب بطريقة لا تعيق الدورة الدموية، ثم التوجه فورًا إلى أقرب مركز صحي، دون تأخير أو تردد.

من الناحية الصحية، يُعد التعامل مع لسعات العقارب اختبارًا حقيقيًا لنجاعة النظام الصحي المحلي، خاصة في المناطق الهشة والمعزولة.

فكل تأخير في التدخل الطبي لا يُقاس فقط بالزمن، بل يُقاس بالأرواح التي قد تُزهق بسبب نقص بسيط في المعرفة أو في الوسائل المتاحة.

أما من الناحية المجتمعية، فإن استمرار الاعتماد على الممارسات التقليدية يُبرز الحاجة إلى حملات تحسيسية موسمية منظمة، تُشرف عليها وزارة الصحة بتعاون مع الجماعات المحلية، لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتدريب السكان على الإسعافات الأولية، وتوفير الأمصال في المراكز الصحية القروية بشكل استباقي.

وفي ختام تصريحه، دعا الدكتور حمضي السلطات الصحية إلى تبني مقاربة استباقية شاملة، تقوم على التوعية، والتجهيز، والتدخل السريع، مؤكدًا أن “العلاج السريع والمنهجي ينقذ الأرواح، بينما الخرافة قد تودي بها”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق