
هومبريس – ع ورديني
في وقت تُبشّر فيه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بسنة زراعية قياسية على مستوى إنتاج الحبوب، يجد المغرب نفسه في مواجهة معقدة مع الجفاف وتراجع المحاصيل، في مشهد يُجسّد التناقض الصارخ بين وفرة عالمية وأزمة محلية متفاقمة.
فبحسب توقعات “الفاو”، يُرتقب أن يبلغ الإنتاج العالمي للحبوب خلال سنة 2025 نحو 2.925 مليار طن، بزيادة قدرها 2.3% مقارنة بسنة 2024، مدفوعًا بتحسن الظروف المناخية في مناطق زراعية رئيسية، وارتفاع إنتاج القمح والذرة والأرز.
وتُشير المنظمة إلى أن إنتاج القمح سيصل إلى 805.3 مليون طن، مدفوعًا بتحسن المحاصيل في الهند وباكستان، بينما يُتوقع أن تبلغ الحبوب الثانوية، وعلى رأسها الذرة، 1.5645 مليار طن، بفضل توسع المساحات المزروعة في الهند وتحسن المناخ في البرازيل، رغم التراجع في أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. أما الأرز، فسيبلغ إنتاجه 555.6 مليون طن، بزيادة طفيفة قدرها 1%، نتيجة لتحسن الإنتاج في جنوب آسيا.
لكن في المقابل، يُواصل المغرب معاناته مع توالي المواسم الفلاحية الجافة، ما أدى إلى تراجع حاد في إنتاج الحبوب، خاصة القمح، الذي يُعد حجر الزاوية في الأمن الغذائي الوطني. هذا التراجع دفع المملكة إلى الاعتماد المتزايد على الاستيراد، وسط تقلبات حادة في الأسواق الدولية وارتفاع تكاليف الشحن.
ويرى خبراء أن هذا التباين يُسلّط الضوء على هشاشة المنظومة الفلاحية المغربية أمام التغيرات المناخية، ويُبرز الحاجة إلى تسريع وتيرة التحول الزراعي، من خلال الاستثمار في البحث العلمي، وتطوير تقنيات السقي، وتوسيع الزراعات المقاومة للجفاف.
كما أن السياق الدولي، الذي يشهد تنامي الطلب العالمي على الحبوب، وتزايد التوترات الجيوسياسية، يُحتم على المغرب إعادة التفكير في استراتيجيته الغذائية، ليس فقط لتقليص التبعية، بل لضمان السيادة الغذائية في أفق متوسط وطويل المدى.
وفي ظل هذا المشهد المتقلب، تبدو الحاجة ملحة إلى إصلاحات هيكلية عميقة في القطاع الفلاحي، تُعيد الاعتبار للابتكار الزراعي، وتُعزز من قدرة المغرب على الصمود أمام الأزمات المناخية والاقتصادية المتداخلة.