
هومبريس – ح رزقي
تعيش جبهة البوليساريو لحظة حرجة تعصف بتماسكها الداخلي، إذ تعالت الأصوات المنتقدة لأدائها السياسي والتنظيمي، خصوصًا من داخل مخيمات تندوف، حيث باتت القيادة تواجه موجة رفض عارمة لنهجها الحالي، وسط تصاعد مشاعر الإحباط والغضب الشعبي.
هذه الأزمة تتجلّى من خلال بيانات احتجاجية موقّعة من نشطاء صحراويين، وتصريحات لقياديين يعترفون بتراجع المعنويات، وانهيار آليات العمل، وضعف الخطاب المعبّئ، إلى جانب غياب أي رؤية عملية تُقنع القاعدة الشعبية بجدوى الاستمرار في المشروع القائم.
في هذا السياق، تتسارع الانتقادات داخل اللجنة المركزية، وتطفو على السطح خلافات حادة حول الترشح للمناصب القيادية واستمرارية المشروع الانفصالي، ما يُنبئ بتحولات عميقة في بنية التنظيم، ويُثير تساؤلات حول قدرة القيادة على احتواء الأزمة المتفاقمة.
ويتزامن هذا الغليان الداخلي مع تصاعد التوتر الأمني والاجتماعي داخل المخيمات، حيث يعيش السكان حالة من الإحباط المتزايد، في ظل غياب رؤية واضحة لمستقبلهم السياسي والمعيشي، وتراجع الخدمات الأساسية، وتنامي الشعور بالعزلة والخذلان.
من جهة أخرى، تشهد الساحة الإقليمية والدولية تغيرًا ملحوظًا في المواقف، حيث يتراجع زخم الدعم السياسي للبوليساريو، مقابل اتساع التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي أصبح يُنظر إليه داخل الأوساط الصحراوية كبديل واقعي يوفر الأمن والاستقرار والكرامة، بعد عقود من المعاناة والتشتّت والانتظار.
تصدّع تنظيمي يُعيد تشكيل المشهد الداخلي للجبهة
تُعبّر العرائض والانتقادات المتزايدة عن أزمة شرعية حقيقية، تُضعف قدرة القيادة على الاحتفاظ بولاء القاعدة الشعبية، وتكشف عن صراع داخلي محتدم حول الزعامة وإدارة المرحلة المقبلة، في ظل غياب آليات ديمقراطية تُتيح تداول الأفكار والمواقع القيادية.
في غياب أدوات مؤسساتية تُجدد الرؤية وتنفتح على التغيير، يواجه التنظيم خطر الانقسام أو الانهيار التلقائي، خاصة مع تآكل الثقة بين القاعدة والقيادة، وتراجع قدرة الجبهة على تقديم خطاب تعبوي يُواكب التحولات الجارية.
التحولات الجيوسياسية تُرسم من خارج المخيمات
علاوة على ذلك، فإن مسار القضية لم يعد يُحدده الفاعلون التقليديون داخل الجبهة فقط، بل بات رهينًا لتحولات دولية تعزز من موقع المملكة المغربية وتمنحها امتيازًا دبلوماسيًا واضحًا، في ظل دعم متزايد لمبادرة الحكم الذاتي من قِبل قوى إقليمية ودولية مؤثرة.
ومع ازدياد التأييد لهذا الخيار الواقعي، تصبح فكرة الانفصال أكثر هشاشة، ويغدو الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي أكثر قابلية للتجسيد ميدانيًا، خاصة أنه يُراكم دعمًا شعبيًا داخل الأوساط الصحراوية، ويُقدّم بديلًا عمليًا يُنهي سنوات التيه والانتظار.