الرئيسية

بين السيولة و الشفافية.. ما الذي يمنع المهنيين من استخدام الأداء الإلكتروني في حياتهم العملية؟

هومبريسج السماوي 

في زمن التحول الرقمي المتسارع، وفي ظل استعداد المملكة المغربية لاحتضان تظاهرات رياضية عالمية تتطلب تحديثًا شاملاً للبنية الاقتصادية والخدماتية، يظل الأداء النقدي حاضرًا بقوة في عدد من القطاعات الحيوية، وعلى رأسها التجارة والخدمات. 

هذا الواقع يضع علامات استفهام حول مدى انخراط المهنيين في الدينامية الرقمية التي تتبناها الدولة، خاصة في ظل التوجهات الرسمية نحو اقتصاد أكثر شفافية واستدامة.

رغم توفر البطاقات البنكية وانتشار التطبيقات المالية، لا يزال المواطن المغربي يصطدم يوميًا برفض الأداء الإلكتروني في المتاجر والمقاهي والمطاعم.

في هذا السياق، تتنوع التبريرات بين “عدم الجاهزية التقنية” و”عدم توافق النظام”، لكنها تُخفي في جوهرها مقاومة غير معلنة لتغيير نمط التعامل المالي، ما يُعيق جهود الدولة في تعزيز الشمول المالي وتقليص الاعتماد على السيولة النقدية.

المعطيات الصادرة عن بنك المغرب تكشف عن ارتفاع في تداول “الكاش” بنسبة 8% خلال السنة الماضية، وهو مؤشر يُبرز محدودية انتشار الأداء الرقمي، ويطرح تساؤلات حول فعالية البرامج التحفيزية التي أُطلقت لتشجيع هذا التحول. 

علاوة على ذلك، فإن هذا الارتفاع يعكس فجوة واضحة بين الرؤية الرسمية والممارسة اليومية، ويُظهر أن التحول الرقمي لا يزال يواجه مقاومة على مستوى القاعدة الاقتصادية.

التحليل الاقتصادي لهذا التردد يكشف أن الأمر لا يرتبط فقط بالبنية التحتية، بل يتصل أيضًا بمخاوف ضريبية لدى المهنيين. فاعتماد الأداء الإلكتروني يعني خضوعًا أكبر للرقابة المحاسباتية، وهو ما يثير تحفظات لدى فئات واسعة تخشى تأثير ذلك على التصاريح الضريبية. 

إلى جانب ذلك، تُعد اقتطاعات الوسيط البنكي على كل عملية دفع عاملاً إضافيًا يُثني البعض عن استخدام هذه الوسائل، خاصة في الأنشطة الصغيرة والمتوسطة.

من جهة أخرى، يُظهر هذا السلوك مقاومة ثقافية للتغيير، ويعكس ضعف الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات المالية. فالتعامل النقدي يمنح هامشًا من الحرية غير الرسمية، بينما يُنظر إلى الأداء الرقمي كأداة رقابية، لا كوسيلة تسهيل. 

فضلاً عن ذلك، فإن غياب حملات توعية فعالة وتوفير ضمانات قانونية وتشجيعية يُسهم في ترسيخ هذا التصور السلبي، ويُعيق بناء علاقة متوازنة بين الطرفين.

في ظل هذه المعطيات، يصبح تسريع الانتقال إلى الأداء الرقمي ضرورة وطنية، لا مجرد خيار تقني. فالمغرب، وهو يخطو بثبات نحو مشاريع تنموية كبرى، بحاجة إلى منظومة مالية حديثة تُواكب تطلعاته، وتُوفر للمواطن تجربة خدماتية أكثر سلاسة، وتُكرّس اقتصادًا أكثر شفافية واستدامة.

من هنا، فإن نجاح هذا الورش يتطلب إرادة جماعية من مختلف الفاعلين، ومقاربة شاملة تُراعي البعد التقني، الاقتصادي، والاجتماعي للتحول الرقمي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق