
هومبريس – ع ورديني
في ندوة دولية احتضنها قصر الأمم بجنيف من 25 إلى 29 غشت الجاري، أكدت منظمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية أن المغرب بات يُمثل نموذجًا مُلهمًا في مجال التنمية الحضرية المستدامة بالقارة الإفريقية، بفضل الرؤية الاستراتيجية التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، واضعًا الاستدامة في صلب السياسات الحضرية الوطنية.
وخلال هذا الحدث المنظم تحت شعار “من أجل مدن مستدامة بإفريقيا: الابتكارات والشراكات في خدمة التنمية الحضرية”، شدد رئيس المنظمة، السيد نور الدين عباد، على أن إفريقيا تشهد أسرع انتقال حضري في العالم، ما يُمثل فرصة تنموية واعدة، لكنه في الوقت ذاته يُشكل تحديًا كبيرًا للموارد والبنيات التحتية والمناخ.
وأوضح السيد عباد أن المغرب، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك، اختار نهجًا استراتيجيًا يضع الاستدامة في قلب نموذجه التنموي، عبر مقاربة متكاملة ترتكز على التخطيط الاستراتيجي، المشاريع المهيكلة، والابتكار الشامل، مما يجعل من التجربة المغربية مرجعًا قارّيًا في هذا المجال.
وأشار إلى أن هذا التوجه يستند إلى إطار قانوني ومؤسساتي متين، بدءًا من دستور 2011 الذي يكرّس الحق في بيئة سليمة، مرورًا بالاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في أفق 2030، والميثاق الوطني للبيئة، وصولًا إلى النموذج التنموي الجديد الذي جعل من الاستدامة والإدماج ركيزتين أساسيتين.
وفي معرض حديثه عن الإنجازات الميدانية، استعرض السيد عباد برنامج “مدن بدون صفيح” الذي مكّن من إعادة إيواء مئات الآلاف من الأسر، ومشاريع المدن الإيكولوجية مثل زناتة، أول مدينة خضراء معتمدة في إفريقيا، إلى جانب المدن الجديدة (تامسنا، الشرافات، لخيايطة) التي تهدف إلى تخفيف الضغط الحضري وتعزيز التنوع الاجتماعي والوظيفي.
وأضاف أن مدينة زناتة تسعى لامتصاص 100 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون، وإعادة تدوير 100% من مياهها العادمة، ما يجعلها نموذجًا متقدمًا في إدارة الموارد بشكل مستدام، ويعكس طموح المغرب في بناء مدن ذكية وصديقة للبيئة.
وعلى صعيد البنيات التحتية الخضراء، أشار إلى مشاريع الترامواي في الرباط-سلا والدار البيضاء، التي تؤمن تنقل مئات الآلاف من الركاب يوميًا، والمحطة الشمسية “نور” التي تُعد من الأكبر عالميًا، فضلًا عن البرنامج الوطني للنجاعة الطاقية في البناء، الذي يهدف إلى تقليص استهلاك الطاقة في المدن المغربية.
وأكد أن التنمية الحضرية المستدامة تمر عبر بنية تحتية طموحة، حيث ينقل ترامواي الدار البيضاء ما يقارب 500 ألف راكب يوميًا، بينما تغذي الطاقة الشمسية ليس فقط المنازل، بل أيضًا رؤية المغرب لنمو منزوع الكربون.
ورغم التحديات المرتبطة بالضغط الديمغرافي، والحاجة إلى التمويلات وتعزيز القدرات المحلية، شدد السيد عباد على أن المغرب يُراهن على تطوير المدن الذكية، والانخراط في التعاون جنوب-جنوب، وتقاسم الخبرات مع الدول الإفريقية، من خلال التكوين والاستشارة ونقل الكفاءات.
ودعا الخبير المغربي، ومؤلف كتاب “المغرب.. إمكانات التغيير التحويلي” (2022)، إلى تعبئة تمويلات خضراء ملائمة للمشاريع الحضرية الإفريقية، مؤكدًا أن التحديات قابلة للتجاوز بالابتكار والتضامن، وأن المغرب فخور بدوره كجسر وشريك من أجل تنمية حضرية إفريقية مستدامة وقادرة على الصمود.
واختتم مداخلته بالتأكيد على أن المدينة المستدامة ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية لإفريقيا، مشددًا على أن المغرب، بطموحه وبراغماتيته، يُشيد يومًا بعد يوم نموذجًا حضريًا نأمل أن يُلهم ويُعزز التعاون القاري، نحو مدن تحترم بيئتها وتفخر بهويتها وتُشكل محركات للنمو الشامل.
ويُسجل هذا اللقاء، المنظم من طرف جمعية العدالة والمساواة والإدماج المهني والسلام بإفريقيا، مشاركة منظمات غير حكومية من عدة دول إفريقية وشركاء دوليين، للتباحث حول التحديات والفرص التي تطرحها التنمية الحضرية المستدامة بالقارة.
وفي سياق متصل، يرى خبراء التخطيط الحضري أن التجربة المغربية في إدماج البعد البيئي ضمن السياسات العمرانية تشكل مرجعًا عمليًا يمكن أن يُعتمد في صياغة نماذج حضرية إفريقية جديدة، قادرة على التكيف مع التحولات المناخية والضغوط السكانية، دون التفريط في الهوية الثقافية والمعمارية المحلية.
كما يُنتظر أن تُسهم هذه الدينامية في تعزيز مكانة المغرب داخل المنظومة الإفريقية للتنمية، من خلال إطلاق مبادرات إقليمية مشتركة، مثل إنشاء مرصد إفريقي للتنمية الحضرية المستدامة، يكون مقره بالمملكة، ويُعنى بتنسيق الجهود وتبادل الخبرات بين الدول الإفريقية، بما يضمن تكامل الرؤى وتوحيد المعايير في مواجهة التحديات الحضرية المشتركة.