
هومبريس – ج السماوي
في تطور مقلق يعكس شدة التغيرات المناخية المتسارعة، سجلت البرتغال 284 حالة وفاة إضافية خلال فترة التحذير من موجة الحر الشديد التي بدأت في 28 يونيو 2025، وفقًا لمعطيات أولية صادرة عن المديرية العامة للصحة.
هذه الحصيلة الثقيلة تركزت بشكل خاص في صفوف كبار السن، حيث تجاوزت نسبة الوفيات في فئة من تفوق أعمارهم 85 سنة أكثر من 70٪، بينما لم تُسجل أي زيادة في معدل الوفيات لدى من تقل أعمارهم عن 70 عامًا، ما يعكس تفاوت التأثر بين الفئات العمرية.
وأوضحت المديرية، في تصريح لوكالة الأنباء البرتغالية (لوزا)، أن هذه الوفيات وقعت بين 28 يونيو والأيام الأولى من يوليوز، مشيرة إلى أن مؤشر “إيكارو”—الذي يقيس تأثير الحرارة على معدلات الوفيات—لا يتوقع تسجيل تأثير كبير خلال الأيام الثلاثة المقبلة، باستثناء منطقة “ألينتيجو”، التي قد تشهد مراجعة طفيفة في البيانات، بناءً على تطورات الحالة الجوية.
شهدت البلاد موجتين متتاليتين من الحرارة خلال شهر يونيو، الأولى بين 15 و20 من الشهر، والثانية بدأت في 27 منه واستمرت حتى الأيام الأولى من يوليوز، حيث أثرت على نحو 59٪ من السكان، خاصة في المناطق الداخلية.
وسُجل يوم 29 يونيو كأكثر الأيام حرارة، بمتوسط درجة حرارة قصوى بلغ 38.5° مئوية، أي بزيادة +11.8° عن المعدل الشهري، فيما بلغت درجة الحرارة الدنيا 28.7°، بزيادة +8.4° عن المعتاد، ما جعل الليل بدوره خانقًا وغير قابل للتبريد الطبيعي.
تُظهر هذه الأرقام هشاشة الفئات المتقدمة في السن أمام الظواهر المناخية القصوى، ما يستدعي إعادة النظر في السياسات الصحية والاجتماعية الموجهة لكبار السن، خاصة في فترات الذروة الحرارية التي أصبحت أكثر تواترًا. فالعزلة، والأمراض المزمنة، وضعف القدرة على التكيف مع التغيرات المفاجئة، كلها عوامل تجعل هذه الفئة الأكثر عرضة للخطر، وتستدعي تدخلًا وقائيًا أكثر دقة واستباقية.
استباقًا لهذه الموجة، أصدرت المديرية العامة للصحة يوم 25 يونيو سلسلة من التوصيات للمواطنين، دعت فيها إلى تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس، وشرب كميات كافية من الماء، وتفادي المجهود البدني خلال ساعات الذروة، وذلك بتنسيق مع المعهد البرتغالي للبحار والغلاف الجوي وشركاء آخرين من القطاعات المعنية بالصحة والبيئة.
وتواصل السلطات متابعة الوضع بشكل منتظم، مؤكدة أنها ستقوم بتحيين المعطيات كلما دعت الحاجة، في ظل استمرار تسجيل درجات حرارة قصوى في عدد من المناطق، حيث تجاوزت ثلث محطات الأرصاد الجوية الـ90 في البر الرئيسي للبرتغال المعدلات القياسية لهذا الشهر، ما يعكس تغيرًا واضحًا في نمط المناخ المحلي.
ما تشهده البرتغال ليس حدثًا معزولًا، بل جزء من نمط عالمي متصاعد من الظواهر المناخية المتطرفة، التي باتت تضرب مناطق متعددة من العالم بوتيرة متسارعة.
موجات الحر، التي كانت تُعد استثناءً قبل عقود، أصبحت اليوم أكثر تواترًا وحدة، ما يطرح تساؤلات ملحة حول جاهزية الأنظمة الصحية، ومدى قدرة المجتمعات على التكيف مع واقع مناخي جديد يفرض تحديات غير مسبوقة على مختلف المستويات.